بعيداً عن الارتهان والمراهنة

Monday 30 November -1 12:00 am
----------

في الرسائل المتبادلة بين المفكر والروائي العربي الكبير عبدالرحمن منيف وصديقه الناقد الفلسطيني فيصل دراج ما يستحق التوقف وإعادة القراءة في ضوء الأحداث الجارية في الوطن العربي. وكيف أن الدروس الكبيرة والكثيرة لم تجد طريقها إلى العقل العربي ولم يهتم بها حكام هذا الوطن ونخبه السياسية والفكرية بما ينبغي لذلك لم تغير شيئاً في حياتهم وفي حياة أقطارهم.

والرسائل المشار إليها تعود إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وتكشف منذ وقت مبكر عملية الارتهان للخارج والارتماء في أحضان القوى الكبيرة بحثاً عن نصير وسند والاعتماد عليها في اتخاذ الموافقة السياسية والانحياز أو عدم الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك. والغياب الكلي لما يسمى بالاعتماد على النفس الاستفادة من الإمكانات الهائلة المتوفرة لهذا الوطن الواقع في قلب العالم. وتشير الرسائل أو بعضها إلى أن المواقف العربية على المستوى المحلي والدولي قد انطلقت في مصلحة الآخر لا من مصلحة الوطن العربي، ولم يكتشف العرب أن مصالح القوى العالمية تتغير وتتبدل وفقاً لمصالحها من ناحية ولما تمليه الظروف المتغيرة من ناحية ثانية. ولو قد رعت الانظمة والنخب السياسية هذه الحقيقة من وقت طويل لما تعرضنا للانهيارات المتوالية التي تشهد الأمة جزءاً من نتائجها المُرّة مصحوبة بقدر لا حدود له من الحزن والخذلان.

تشير واحدة من رسائل الدكتور منيف إلى صديقه الدكتور فيصل إلى هذا الرهان الخارجي بشيء من المرارة والغضب حين تقول: "العرب، وهم عريان، كانوا يراهنون. ولا أعرف لماذا يحب العرب المراهنة إلى هذا الحد؟ حتى في الجاهلية كانت الطيور والأرانب تختار لهم أكثر مما يختارون. وعلى أمريكا والاتحاد السوفيتي كانوا يراهنون . متوهمين هامشاً أو هوامش معينة، ويفاجئون حين يتصرف الآخرون خلافاً لتوقعاتهم ! وعشنا في هذا الحمّام النسائي المقطوع المياه سنين طويلة. نضع "الفيشة" في هذا الجانب ومرة في الجانب الآخر، وكنا دائماً نخسر ، ونحزن ونعد أنفسنا بضرورة التصرف بشكل آخر بشكل مختلف وظلينا نخسر ونتراجع ونتحسر أحلامنا وآمالنا إلى أن أصبحنا بدون أمل أي بدون جنون، وهكذا خسرنا كل شيء".

كانت وجهات النظر تلك تدور بين المثقفين في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وكان ما يزال هناك وقت لإعادة النظر في الارتهان للآخر أو المراهنة عليه، لكن الأمور لم تختلف كثيراً عما كانت ولم يحدث للحكام العرب أن وقفوا في لحظة حوار نقدية يحاسبون فيها أنفسهم على ما اقترفوه في حق أنفسهم وفي حق مواطنيهم وأن يبدأو في اختيار مسار جديد يراهنون فيه على قوتهم المادية والمعنوية دون أن يأخذوا مواقف معادية أو متشنجة من الآخرين بما فيهم أولئك الذين راهنوا عليهم أو رهنوا أنفسهم لمصالحهم. ولو قد حدث مثل هذا لما كانت الكوارث المتلاحقة قد حدثت ولما وصلت ذروتها في الآونة الأخيرة ، وصار العربي مكشوفاً عارياً باتجاه نفسه أولاً وتجاه العالم أجمع ، ولم يبق أمامه من ملجأ أو ملاذ، وليس أمام وطنه الصغير قبل الكبير سوى التفتت والانقسام.