إنها البساتين .. صورة معكوسة ودليل شاهد سيوثقها التاريخ عن زمن ساسة خلعوا ثوب القناعة ولبسوا جلباب الظهور بسبعة وجوه.. عشقوا جلباب تكديس الأموال دون حسيب أو رقيب.. حي البساتين أحد أحياء مديرية دار سعد محافظة عدن تقع شمال مركز المديرية ..
"الأمناء" كالعادة اقتحمت ستار المجهول لمدينة البساتين استعجلنا الدخول إليها ليستقبلنا مقلب للنفايات الذي بدأ بالتمدد فوق المحدود ليطال كل مار في الشارع ويجُبره على التعطر برائحته النتنة كضريبة مرور على أرض خاصة.. أكياس البلاستيك التي تحاول التشبث بالمارين والالتصاق بهم .. واصلنا السير لندخل إحدى الحارات لنشاهد أناس كُثر مجتمعون وملامح الغضب والتعب والإرهاق بادية على وجوههم.. ليجذبنا منظر ذلك الرجل الذي يجلس في إحدى الأزقة وحيداً توجهنا صوبه لنقرأ تلك الملامح الكئيبة التي تبدوا عليه ومن هنا بدأت خطواتنا الأولى لرصد المعاناة واليكم التفاصيل
عطشى ولكن..!!
لننتقل إلى الحي المجاور المسمى بحي البطاطي حتى تراءت لنا مئذنة تعلو ذلك المسجد المسمى بـ "مسجد البطاطي" لنفاجئ بصيحات تتولى على مسامعنا على مقربة شديدة من المسجد .. أسرعنا قليلاً لنرى سر هذا الضجيج .. حتى تراءى لنا مشهد جديد بل عجب العجاب .. عشرات من دباب المياه محاطة بجمع غفير من الأطفال والنساء وكبار السن ليأخذوا دورهم في تعبئة أوانيهم ..غير مبالين بمنتصف ظهر شمس الصيف الحار .. سلموا أنفسهم للهواء الساخن بلا أدنى مقابل.. سوى سد رمقهم من قطرات الماء..
الخوف من الكاميرا
حاولنا التقاط بعض الصور لنقل معاناتهم لنتفاجأ بأصوات من هنا وهناك :: لا تصوروا ! .. لا تصوروا ! روحوا لكم من هنا ! عرفنا بأنهم يخافون من أن تظهر صورهم في صدر صفحات الجرائد ويراها أصحاب الكراسي فينتقمون منهم ! فيما تحدث البعض منهم بأن المشكلة تكمن في انقطاع المياه وذلك بسبب أن المواسير التي توصل الماء لا يتم تفقدها وليس لها صيانة نفاجئ في الصيف عندما تشتد الحرارة بأن هناك ماسورة قد انكسرت وأخرى قد أكلها الصدأ وثالثة قد أتلفت ورابعة قد حصل لها كذا وكذا والمشكلة المزمنة تكمن في المواسير وأنها قديمة وليس هناك اهتمام بها ..ثم بدأنا التعمق قليلاً حتى وصلنا إحدى الحارات والمسماة حارة الطاهري لنشهد شيئاُ مشابه فبكل طريق مشيناه تلاحقنا الروائح العفنة للمخلفات والمجاري المتدفقة تزكم الأنوف مشاكل متواصلة.. طال الانتظار الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن السبب الأساسي وراء انقطاع الكهرباء يعود إلى المخربين لأبراج الكهرباء وفي كل مرة تتحمل ميزانية الدولة عشرات الملايين من الدولارات وامتناع المتنفذين عن دفع فواتير الكهرباء في ظل غياب تام لأجهزة الدولة في تحمل مسؤوليتها وعجزها في حماية الممتلكات العامة.
دولة غائبة
طال الانتظار ولسان حال المعنيين في وقت تسوء فيه حالة الحي حتى انتهت اليوم إلى الشكل الذي تحدثنا عنها في سطور سابقة من هذا التقرير .. وأمام تبجح المعنيين ومن يهمهم الأمر على القنوات وخطاباتهم الطويلة لا تضم سوى معاناة شعب لا حول له ولا قوة.. يبقى المواطن يتساءل إلى متى ستبقى الدولة غائبة عن وعيها ؟ وإلى متى سنبقى نكابد ظروف الحياة القاسية؟ أين تصرف مخصصات الحي؟ لماذا لا يلمس المواطن أي تغيير يذكر؟ وتتوالى الأسئلة كيف يمكن لهم أن يتصدروا الفضائيات ومعظم أحاديثهم تدور حول الإنجاز؟ رغم أن عدن حتى الآن لا تزال تعاني من مشكلة جسيمة وهي الكهرباء.
من ينقذ الحي؟
لا يعرفون الإجابة ولا يريدون أن يعرفوا.. المواطن البسيط الذي يسدد كل حق للدولة على ذمته من فواتير الكهرباء الوهمية.. والمياه المتقطعة.. ورسوم المجاري التي لم تصل بعض الأحياء.. يريد أن ينعم بضوء بسيط وهو كل ما يحلم به تلك هي المعادلة التي نجزم أن اختيار أحد طرفيها لا يحتاج لكل هذا التفكير الذي يخوضه المعنيون اليوم.. إنها دعوة لإنقاذ حي البساتين وساكنيه .
كابوس الظلام المرعب
أوشك الوقت على التلاشي وأقترب كابوس الظلام يفرد أجنحته على حي البساتين فقررنا الاكتفاء بنقل شيء بسيط وجزء من كل تاركين وراءنا حكايات وعبر.. حي بيوته الصفيح - وفقره مدقع - ظلامه دامس - وماءه شحيح - وحرارته مرتفعة - وأطفاله لم يكفوا عن الصراخ.. أزمات ليست وليدة اليوم .. بل انهكها الانتظار على أبواب المسؤولين من أجل أيجاد الحلول .. قصص مؤلمة تلك التي سطرها لنا الساكنون في حي البساتين وكأننا في زمن قديم.. مطالب أساسية يطالب بها ابناء الحي التي تعتبر من مقومات الحياة البسيطة التي لا يستطيع الإنسان أن يعيش إلا بها .. ملفات شائكة .. تبحث عن حلول ومنذ سنوات طوال وإلى الآن لا تزال البساتين ترزح تحت طائلة الفقر وانعدام الخدمات وكل ما يتغير فقط ثروة أرباب السلطة التي لا زالت في تطور مستمر !
مطالبين الجهات المعنية النظر إليهم بعين الرحمة بدلا من عين التهميش التي طالتهم منذ زمن بعيد .. في حين طالب الساكنون بسرعة معالجة قضايا النفايات والأوساخ التي تكدست في كل أزقة الحي بدلاُ من أن تتحول إلى كارثة لا يحمد عقباها تركناهم ولسان حالهم يقول هل يكون الحل في مسح تعب النهار هو النوم فوق السطح؟ لِمَ لا فهو الحل الأمثل لمشكلة الكهرباء !!