الاكتئاب: إدراك جديد

Monday 30 November -1 12:00 am
الاكتئاب: إدراك جديد
إميلي آنثيس
----------

بدأت حياة آنا في التهاوي في عام 2005، عندما قام زوجها بالتصريح عن وقوعه في حب أخرى، بعد زواج دام لمدة ثلاثين عامًا. "لم أكن أتصور يومًا أن ينتهي زواجي. لقد كان ذلك صادمًا جدًّا"، هكذا قالت آنا، التي تعيش في فيلادلفيا، ببنسلفانيا، بعد أن تقاعدت عن عملها كمحامية.

وعلى مدى عدة أشهر، فقدت آنا الرغبةَ في الاستيقاظ كل صباح. كانت تشعر بالوهن طوال الوقت، كما أنهكتها الأفكار السلبية، مثل: "ليس لي قيمة"، و"أفسدتُ كل شيء"، و"الخطأ كله يرجع إليَّ". لقد احتاجت إلى المساعدة، لكن مُعالِجها الأول أَشْعَرَها بالملل، ولم تسبِّب لها العقاقيرُ المضادة للاكتئاب سوى الشعور بالتعب. ثم وجدت كوري نيومان ـ مدير مركز العلاج المعرفي في جامعة بنسلفانيا ـ الذي بدأ معها نوعًا مختلفًا من العلاج. تعلمَتْ آنا كيف تقلل الاستغراق في التفكير في نكساتها، وأن تَشِيد أكثر بانتصاراتها. قالت آنا، التي تم تغيير اسمها بناء على طلبها: "لقد كان مفيدًا جدًّا أن أتحدث إلى شخص يوجهنى إلى طرق تفكير أكثر إيجابية".

يهدف العلاج المعرفي ـ الذي يُعرف غالبًا بـ"العلاج السلوكي المعرفي" (Cognitive behavioral therapy (CBT ـ إلى مساعدة الأشخاص في التعرف على أنماط التفكير السلبية التي تؤدي إلي تدمير الذات، ومحاولة تغييرها. ورغم أنه لا يفلح مع كل مَن أصيب بالاكتئاب، إلا أن الكثير من النتائج لصالحه. في ذلك يقول ستيفان هوفمان، أخصائي علم النفس في جامعة بوسطن بولاية ماساتشوستس: "يُعتبر العلاج السلوكي المعرفي قصة من قصص النجاح الجلية في العلاج النفسي".

عادةً ما تكون العقاقير المضادة للاكتئاب هي خط العلاج الأول للمرض، حيث يُنظر إليها على أنها الحل الأسرع، والأرخص ثمنًا، لكن التجارب الإكلينيكية كشفت عن أن 22-40% فقط من مرضى الاكتئاب يتعافون بالعقاقير وحدها. وبالرغم من وجود مناهج عديدة للعلاج النفسي، يُعتبر العلاج السلوكي المعرفي أكثر المناهج التي تمت دراستها بشكل موسع. فتبعًا لتحليل بُعدي1 نُشر في العام الحالي، اعتمادًا على الطريقة التي يقيس بها العلماء النتائج، وُجد أن حوالي 42%-66% لم يعودوا مستوفين لمعايير المرض بعد العلاج، لكن لا أحد يعرف بالضبط كيف ينجح العلاج السلوكي المعرفي.

يُعتبر الاكتئاب اضطرابًا مركّبًا يظهر في عدة أشكال، كما يُعَدّ العلاج السلوكي المعرفي علاجًا متعدد الأوجه، يتضمن سلسلة من الجلسات الحوارية التي يختلف محتواها المحدد من معالِج ومريض لغيرهما. تتطلب معرفة الطريقة الأكيدة التي يؤثر بها هذا العلاج على المخ دراسات يصعب إجراؤها وتمويلها. وحتى الآن، ما زال الباحثون في بداية طريق التوصل إلى إجابات عن طريق خليط من تجارب التصوير العصبي، وعلم النفس الإكلينيكي. إنّ معرفة المزيد عن الكيفية التي يعمل بها العلاج ـ ولماذا لا يفلح مع الجميع ـ ستساعد الأطباءَ في النهاية على تقديم رعاية أفضل. يقول دانيال سترنك، أخصائي علم النفس في جامعة ولاية أوهايو بكولومبس: "إذا لم نفهم المواد الفعالة؛ فسيصعب علينا تطوير العلاج. وبفهم آلية عمل العلاج، قد نفهم لماذا يناسب بعض المرضى، دون غيرهم".

يشمل العلاج السلوكي المعرفي نطاقًا من العلاجات النفسية التي تعتمد على فرضية أن مرضى الاكتئاب لديهم اعتقادات شديدة السلبية ـ غالبًا ما تكون غير صحيحة ـ عن أنفسهم والعالم. وقد صُمم هذا العلاج لتزويد المرضي بالمهارات التي يحتاجونها؛ ليصبحوا "معالِجين ذاتيين"، حسبما أشار سترنك، عن طريق اختبار تلك الاعتقادات بطريقة نقدية. قُمْ بتصحيح طريقة تفكير الشخص؛ وسيزول الاكتئاب، بناء على النظرية.

يبدو هذا الأثر العلاجي مدعومًا بالنتائج. يقول روبرت ديروبيس، أخصائي علم النفس في جامعة بنسلفانيا: "هناك العشرات من الدراسات التي أوضحت أن الأشخاص بعد العلاج المعرفي ـ وبعد أن قَلَّ اكتئابهم ـ أظهروا انخفاضًا في التفكير السلبي. إن إثبات هذا سهل، مثل إثبات وجود الجاذبية".

ما يناقشه العلماء حاليَّا هو آلية العلاج المعرفي، فالأشخاص الذين تم علاجهم بالعقاقير المضادة للاكتئاب، بالإضافة إلى أنواع أخرى من العلاج النفسي، قد أظهروا مزيدًا من التفكير الإيجابي بعد شفائهم من الاكتئاب. فهل تغيير أنماط التفكير يتسبب فعلًا في الشفاء من الاكتئاب؟ أم أن العلاج يخفف من الاكتئاب بطريقة أخرى ـ مساعدة الأشخاص في بناء رابط مع المعالج، على سبيل المثال ـ ومن ثم يكون التفكير الإيجابي نتيجة طبيعية لتحسُّن الصحة العقلية؟ 

 

 

 

كبر الصورة
Source: Brains, Ref. 6; Chart, S. D. Hollon et al. Arch. Gen. Psychiatry 62, 417–411 (2005).