ماذا قال »داهية« السياسة الأمريكية كيسنجر عن اليمن

Monday 30 November -1 12:00 am
ماذا قال »داهية« السياسة الأمريكية كيسنجر عن اليمن
لمصدر | وول ستريت جوربنال
----------
أى »هنري كيسنجر«، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي في عهدي الرئيسيْن »نيكسون« و»فورد«، في مقال نشرته صحيفة »وول ستريت جورنال« الأمريكية أنه بوجود روسيا في سوريا، صار الهيكل الجغرافي السياسي الذي دام أربعة عقود من الزمن في حالة من الفوضى التامة، مؤكداً أن الولايات المتحدة باتت بحاجة إلى استراتيجية وأولويات جديدة.وقال »كيسنجر« في مستهل مقاله إنه لم يكد يبدأ النقاش حول ما إذا كانت خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران بخصوص برنامجها النووي قدثبّتت إطار الشرق الأوسط الاستراتيجي حتى انهيار إطاره الجغرافيالسياسي، معتبراً العمل العسكري الأحادي الذي قامت به روسيا في سوريا أحدث عرَض من أعراض انهيار الدور الأمريكي في تثبيت نظام الشرق الأوسط الذي خرج إلى الوجود من رحم الحرب العربية الإسرائيلية لسنة 1973.وأوضح الكاتب أنه في أعقاب ذلك الصراع، تخلت مصر عن علاقاتها العسكرية مع الاتحاد السوفيتي وانضمت إلى عملية تفاوض تدعمهاالولايات المتحدة تمخضت عن اتفاقيات سلام بين إسرائيل ومصر، وإسرائيل والأردن، واتفاقية فض اشتباك تشرف عليها الأمم المتحدة بين إسرائيل وسوريا حظيت بالامتثال على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن )حتى من قبل أطراف الحرب الأهلية السورية(، ومساندة دوليةلسلامة أراضي لبنان وسيادته. وفيما بعد ذلك، مني »صدام حسين« بالهزيمة في الحرب التي شنها لضم الكويت إلى العراق على أيدي ائتلاف دولي تحت قيادة الولايات المتحدة.وقادت القوات الأمريكية الحرب على الإرهاب في العراق وأفغانستان.»وكانت مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى حلفاءنا في كل هذه الجهود. وتلاشى الوجود العسكري الروسي من المنطقة«.يرزح ذلك النمط الجغرافي السياسي الآنفي فوضى كاملة، بحسب»كسينجر«، فهناك أربع دول في المنطقة لم تعد تؤدي وظائفها كدول ذات سيادة، حيث صارت ليبيا واليمن وسوريا والعراق أهدافاً لحركاتليست بدول تسعى إلى فرض حكمها. فأعلن جيش ديني يتبنى أيديولوجية راديكالية تنصيب نفسه كدولة على قطاعات واسعة في العراق وسوريا ليصير بذلك خصماً لا يلين للنظام العالمي المستقر. ويسعىهذا المشروع إلى إحلال دولة خلافة، بمعنى إمبراطورية متطرفة واحدة محل الدول العديدة التي يشتمل عليها النظام الدولي.الصراع السني الشيعيأسفر هذا الادعاء من جانب تنظيم»داعش«، بحسب الكاتب، عن إضفاء بُعدفنائيّ على الانقسام بين الطائفتين الشيعية والسنية الإسلاميتين الذي مضىعليه ألف سنة، حيث تستشعر الدول السنية الباقية التهديد من كل من الحماسة الدينية التي يظهرها »داعش«وأيضاً من إيران الشيعية، التي ربما تكون أقوى دولة في المنطقة، على حد وصف »كسينجر«. وتفاقم إيران التهديد الذي تشكله بتقديم نفسها بصفة ثنائية. فعلى أحد المستويات،تتصرف إيران كدولة »وستفالية« شرعية ذات سيادة تمارس دبلوماسية تقليدية بل وتطبق تدابيرالنظام الدولي الاحترازية. وفي الوقت نفسه نجدها تنظّم وترشد أطرافاً فاعلة من غير الدول تسعى إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية انطلاقاً من مبادئ جهادية، في إشارة إلى حزب الله في لبنان وسوريا، وحماس في غزة، والحوثيين في اليمن.خطر ابتلاع الشرق الأوسطوهكذا نجد الشرق الأوسط السني عرضة لخطر الابتلاع من أربعة مصادر متزامنة، وهي وفقاً للكاتب: إيران التي يحكمها الشيعة وما لديها من إرث إمبريالي فارسي، والحركات الراديكالية أيديولوجيا ودينيّاً التي تناضل لإطاحة الهياكل السياسية السائدة، والصراعات الراهنة داخل كل دولة بين جماعات إثنية ودينية جُمّعت عشوائيّاً بعد الحرب العالمية الأولى على هيئة دول)آخذة الآن في الانهيار(، والضغوط المحلية النابعة من اتباع سياسات داخلية سياسية واجتماعية واقتصادية وخيمة.وأوضح »كسينجر«: ولنا في مصير سوريا أوضح مثال على ذلك: فما بدأكثورة سنية ضد نظام »بشار الأسد«العلويّ )أحد فروع المذهب الشيعي( المستبد حطّم الدولة إلى مكونات عبارةعن جماعات دينية، مع وجود ميليشيات ليست بدولة تساند كل طرف متحارب، وقوى خارجية تسعى إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية الخاصة.وتساند إيران »نظام الأسد« باعتباره دعامة الهيمنة التاريخية الإيرانية الممتدة من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط. والدول الخليجية مصرّة على إطاحة »الأسد« لإحباط المخططات الإيرانية الشيعية، التي يخشونها أكثر من »الدولة الإسلامية«. وتسعى هذه الدول إلى هزيمة »داعش« في العراق وسوريا مع تجنب تحقيق نصر إيراني. وازداد هذا التناقض عمقاً، برأي الكاتب، بفعل الاتفاقية النووية التي تفسَّر على نطاق واسع في الشرق الأوسط السني على أنها إذعان أمريكي ضمنيّ للسطوة الإيرانية.اتجاهات متضاربةوبحسب »كسينجر«، مكّنت هذه الاتجاهات المتضاربة، التي يفاقمها انسحاب أمريكا من المنطقة، روسيا من الانخراط في عمليات عسكرية في عمق الشرق الأوسط، وهو ما يمثل عملية نشر غير مسبوقة في التاريخ الروسي. شغل روسيا الشاغل هو إمكانية تمخّض انهيار »نظام الأسد« عن تكرار الفوضى الليبية والإتيان بـ»الدولة الإسلامية« في العراق وسوريا إلى السلطة في دمشق، وتحول سوريا كلها إلى مأوى للعمليات الإرهابية، التي ستصل إلى المناطق المسلمة داخل حدود روسيا الجنوبية في إقليم القوقاز وأماكن أخرى.على السطح، يخدم تدخّل روسيا سياسة إيران المتمثلة في الإبقاء علىالعنصر الشيعي في سوريا. لكن من منظور أعمق، لا تتطلب أغراض روسيا استمرار حكم السيد »الأسد« لأجل غير محدود. إنها مناورة كلاسيكيةمن مناورات توازن القوى لتحويل التهديد الإرهابي المسلم السني من المنطقة الحدودية الجنوبية في روسيا، على حد وصف الكاتب، مضيفاً أن هذا يمثل تحديّاً جغرافيّاً سياسيّاً لا أيديولوجيّاً وينبغي أن يُتعامل معه على ذلك المستوى. فمهما كان الدافع، تتمخض القوات الروسية في المنطقة، ومشاركتها في عمليات قتالية، عن تحد لم تواجه السياسة الأمريكية الشرق أوسطية مثله منذ أربعةعقود من الزمن على الأقل.السياسة الأمريكية تفقد القدرة على تشكيل الأحداثوأوضح الكاتب أن السياسة الأمريكية سعت إلى التظاهر بتأييد دوافع كل الأطراف، ومن ثم فهي على شفا فقدان قدرتها على تشكيل الأحداث. فالولايات المتحدة تتخذ الآن موقفاً معارضاً لكل الأطراف في المنطقة، أوإن شئت قل: في خلاف معها بصورة أو بأخرى. فهي في خلاف مع مصر بشأن حقوق الإنسان، ومع المملكة العربية السعودية بشأن اليمن،ومع كل طرف من الأطراف السورية بشأن مختلف الأهداف. وتجاهر الولايات المتحدة بإصرارها على رحيل»الأسد« عن منصبه، لكنها ظلت غير راغبة في ممارسة التأثير الفعال، سياسيّاً كان أم عسكريّاً، لتحقيق ذلك الهدف. كما لم تطرح الولايات المتحدة هيكلاً سياسيّاً بديلاً للحلول محل »الأسد« في حالة ما إذا تحقق رحيله بطريقة أو بأخرى.ولفت الكاتب إلى تحرك كل من روسيا وإيران وتنظيم »داعش« ومختلف التنظيمات الإرهابية إلى داخل هذا الفراغ. فتحركت روسيا وإيران للإبقاء على »الأسد«، وطهران لتعزيز المخططات الإمبريالية والجهادية. وأمادول الخليج السنية والأردن ومصر فتؤيد الهدف الأمريكي، فيظل غياب هيكل سياسي بديل، لكنها تخشى عواقب تحويل سوريا إلى ليبيا أخرى.ويتبع الكاتب بقوله: انتقلت السياسة الأمريكية تجاه إيران إلى صميم السياسة الشرق أوسطية، حيث أصرت الإدارة على أنها ستتخذ موقفاً ضد المخططات الجهادية والإمبريالية التي تدبرها إيران وأنها ستتعامل بصرامة مع انتهاكات الاتفاقية النووية.لكنها تبدو أيضاً، بحسب »كيسنجر«، ملتزمة التزاماً عميقاً بإنهاء البعد العدواني العدائي الذي تتسم به السياسية الإيرانية من خلال تطور تاريخي يعززه التفاوض.الانفتاح على إيران والانفتاح على الصينوأوضح »كسينجر« أنه غالباً ما يقارن أنصار السياسة الأمريكية المتبعة تجاه إيران هذه السياسة بانفتاح إدارة نيكسون على الصين، وهو الانفتاح الذيساهم على الرغم مما واجه من معارضة داخلية، في إحداث تحول نهائي في الاتحاد السوفيتي وإنهاء الحرب الباردة. وهذه المقارنة ليست في محلها، برأي »كسينجر«، موضحاً أن الانفتاح الأمريكي على الصين عام 1971 كان يستند إلى الاعتراف المتبادلمن جانب كلا الطرفين بأن الحيلولة دون الهيمنة الروسية في أوراسيا يصب في مصلحتهما المشتركة. وكان وجود 42 فرقة عسكرية سوفيتية على طول الحدود الصينية السوفيتية يعزز تلك القناعة. ولا يوجد توافق استراتيجي مماثل بين واشنطن وطهران، بحسب الكاتب. بل على النقيض من ذلك، وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية »آية الله خامنئي«، في أعقاب الاتفاقية النووية مباشرة، الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر ورفض المفاوضات مع أمريكا بشأن المسائل غير النووية. واستكمالاً لهذا التشخيص الجغرافي السياسي، تنبأ »خامنئي« أيضاً بأن إسرائيل ستزول من الوجود في غضون 25 سنة.منذ خمس وأربعين سنة، كانت توقعات الصين والولايات المتحدة متجانسة. والتوقعات التي تقوم عليها الاتفاقية النووية مع إيران ليست متجانسة، بحسب الكاتب، منوهاً إلى أنه سوف تحقق طهران أهدافها الرئيسة في بداية تنفيذ الاتفاقية، وأما الثمار التي ستجنيها أمريكا فتكمن في وعد بشأن السلوك الإيراني على مدى فترة زمنية معينة. وكان الانفتاح على الصين يقوم على تصحيح مباشر وملحوظ في السياسةالصينية، لا على ارتقاب حدوث تغيير جذري في النظام الداخلي الصيني. وتقول الفرضية المتفائلة بشأن إيران إن حماسة طهران الثورية ستتبدد مع ازدياد تفاعلاتها الاقتصادية والثقافية مع العالم الخارجي.السياسة الأمريكية تؤجج الشكوكورأى »كسينجر« أن السياسة الأمريكية تخاطر بتأجيج الشكوك بدلاً من تخفيف حدتها، ويتمثل التحدي الذي تواجهه في أن هناك كتلتيْن صلبتيْن تواجه إحداهما الأخرى وتريد إفناءها: كتلة سنية تتألف من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والدول الخليجية، وكتلة شيعية تتكون من إيران والقطاع الشيعي من العراق وعاصمته بغداد والجنوب اللبناني الشيعي الواقع تحت سيطرة حزب الله الذي يواجه إسرائيل والقسم الحوثي من