"مَلكي" .. فيلم فرنسي يسلط الضوء على الفجوة ما بين الطبقتين البورجوازية والوسطى : نزق الحب .. نظرة فابتسامة فوداع

Monday 30 November -1 12:00 am
"مَلكي" .. فيلم فرنسي يسلط الضوء على الفجوة ما بين الطبقتين البورجوازية والوسطى : نزق الحب .. نظرة فابتسامة فوداع

المخرجة "ماوين" بدأت مشوارها السينمائي كممثلة.

----------

 

كل من تستهويه السينما الأوروبية وبالتحديد الفرنسية يجدها تحمل ثيمات تغرق في البحث عن الذات واستكشاف حقيقة العلاقات الإنسانية بأسلوب حرفي أقرب إلى الواقع. في الفيلم الفرنسي "ملكي" الذي قامت بإخراجه الفرنسية ماوين في عام 2015، يظهر الطراز الدرامي العاطفي بسيناريو وطاقم تمثيل متميز، ما أدى إلى ترشح الفيلم لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي لعام 2015، وقد خرجت عبره ماوين عن نسق فيلمها السابق "بوليس" وهو فيلم بوليسي أقرب إلى الإثارة عن حبكة الفيلم الأخير، إذ يصف عبر حادثة تزلج تتعرض لها توني، طبيعة العلاقة المتهالكة ما بينها وهي محامية جادة وبين زوجها السابق جورجيو بتفاصيل جميلة. فتوني وهو اختصار لاسمها "ماري أنتوانيت" تظهر وهي تطلق على زوجها "ملكي" وكأنها زوجة لملك نزق ينتمي إلى طبقة مرفهة أعطته الحق لأن يصبح مدللاً لا يكترث بالآخرين، أو أن يكون كما يطلق على نفسه "ملك الطائشين". وعلى الرغم من وضوح ملامح شخصيته المخيفة بمدى جرأتها وعدم تحفظها عن القيام بأي شيء، إلا أن توني لا تكبح جماح عواطفها معه وتمشي في رحلة وعرة معه دون توقف.

فجوة طبقية

الفيلم منذ بدايته يسلط الضوء على الفجوة ما بين الطبقتين البورجوازية والوسطى من خلال الفرق بين الزوجين اللذين قررا نبذ العقلانية والتمهل وانطلقا في علاقة تسببت في إعمال الألم بينهما، فعصبيتها التي تظهر بسبب مواقفه تدفعه لأن يقترح العيش بعيداً عنها، كل ذلك لا يجعلهما يسلّمان بفشل العلاقة. وتعكس حادثة التزلج والألم المستمر في الساق والحاجة إلى إعادة تأهيلها عبر جلسات للعلاج الطبيعي صعوبة التخلص من العلاقة في ربط ما بين الجسد والعاطفة وصعوبة مقاومة الشعور بالألم حتى مرحلة متأخرة من استيعاب كل شيء عبر جلسات علاج طبيعي طويلة، يقابلها استيعاب لانتهاء العلاقة وفشلها.

نقل واقعي

نجحت المخرجة ماوين التي بدأت مشوارها السينمائي كممثلة، في تجسيد واقعية الأحداث، من خلال مراوحة الأحداث وتقلبها ما بين الماضي والحاضر بأسلوب يحفز المشاهد على الرغبة في معرفة ما تسبب في الحال المتردية للعلاقة. وقد عزز من جودة الفيلم عمل المخرجة مع كلير ماثون التي نجحت في التصوير السينمائي للفيلم بأسلوب بديع ينقل الصورة بأسلوب متكامل يقربك من الشخصيات لتشعر بأنك تعرفها جيداً، ليعكس العمل ما بين الاثنتين طابعاً أنثوياً ناجحاً في نقل الألم والعاطفة وتقريب الكاميرا من الوجوه والأجساد ونقل التفاصيل البديعة للأهواء والطقوس. ففي أكثر من مشهد ترقب فيه توني محبوبها بذات الاندهاش الأول، يتم تقريب الكاميرا من ملامح وجهه وطريقة حديثه، وتحركات يديه بأسلوب ينقل ذلك الحب والرغبة في تأمل تلك التفاصيل. بحثا عن السعادة

الفرنسي فينسنت كاسيل يعد الممثل الأكثر خبرة في الفيلم وإلى جانبه الممثلة إيمانويل بيركوت.

فيما برز طاقم التمثيل عبر ممثلين متميزين في القدرة على تجسيد المراحل المختلفة للحب بدءاً بالانجذاب والنزق وانتهاء بالغضب والألم ومحاولة التملص من الإحساس المرهف. ففي محاولة البحث عن السعادة يذكر جورجيو بأن هدفه هو إسعاد الآخرين فيما يظهر وكأنه يتعس كل من حوله بنرجسيته وانكفائه حول نفسه. وقد نجح في تأدية الممثل الفرنسي المبدع فينسنت كاسيل كشخصية نزقة مدللة، ويعد الممثل الأكثر خبرة في الفيلم، إذ قام بأدوار عديدة في أفلام سينمائية عالمية عديدة أحد أهمها فيلم البجعة السوداء. يظهر جورجيو كشخصية جامحة تتسبب دائماً في تدمير الآخر ومحاولة إنقاذ ما قام بإفساده.

فيما تأتي شخصية توني التي قامت بتأدية دورها الفرنسية إيمانويل بيركوت كمحامية غير واثقة من قدرتها على إغواء شخص يحمل كل تلك الجاذبية كجورجيو تتساءل عن سبب اختياره لها، ويستمر ذلك على مدى عشرة أعوام تتأزم فيها معه وتحاول الخروج من علاقتها معه دون جدوى. وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن مصدر سعادتها يظهر وكأنه الحب ذاته واستيعاب تبعاته فيما بعد، الأمر الذي يؤكده جورجيو فيما بعد بإخبارها بأن كل ما كان يجلب السعادة لها في السابق من صفاته هو مصدر تعاستها الحالي. تظهر شخصيات جانبية أخرى هادئة لكنها تسلط الضوء على جوانب مهمة من القصة كسولال وهو أخ توني، وقد قام بتأدية دوره لويس جوريل، وهو يصف نفسه بأنه عاطل عن العمل لأنه يرغب في أن يحقق السعادة لذاته، وإن كان يظهر وكأنه صوت الحق أو محاولة مستمرة في إيقاظ العقل الواقعي لأخته دونما جدوى.

ما بعد الانبهار الأول

فيلم "ملكي" يظهر طبيعة العلاقات العاطفية منذ الانبهار الأول، واستيعاب تبعاته فيما بعد، بالأخص حين تختلف الطباع. فشخصية جورجيو التي دفعته لأن يخبرها في بداية علاقتهما بأن بإمكانها أخذ هاتفه ليرمي لها به بنزق، وشخصيته الاندفاعية التي تجعله بحميمية وحماسة يهتف برغبته في طفل منها دون تفكير يدفعها فيما بعد إلى مقته، فتصرفاته ذاتها تظهر تملصاً دائما من المسؤولية، وعدم تقدير لها بقسوة وابتعاد عن العاطفة حتى الشعور باحتمال ضياعها منه.

فهو يسعى دائما للملمة الشظايا التي تسبب فيها، أما هي فكساقها تسعى إلى إنقاذ ذاتها والتخلص من العنف النفسي الذي تسبب فيه لها. يظهر جمال الفيلم من خلال القدرة على إدراك طبيعة هذه الشخصيات والتعاطف معها، ليقع المشاهد في حيرة وتساؤل إن كان جورجيو هو ملك حياتها فعلاً، أم مجرد ملك للطيش والنزق والقسوة.