كان مجرّد فتىً في الإعدادية حين طُلِب على عجل من تعز لمقابلة جمال عبدالناصر في صنعاء أبريل 1964 لم يصدّق الفتى عينيه وهو يصافح جمال عبدالناصر الذي كان يتأمل بإعجاب لوحةً رسمتها أنامل الفتى الصغير ..وكانت اللوحة لعبدالناصر - معقولة في السّن ده. . تساءل عبدالناصر وهو يلتفت للمشير السلال قائلا ..ده رسّام ممتاز ياعبدالله! إسمك إيه؟ عبدالجبار نعمان ..أجاب الفتى وقلبه يخفق مثل قلب طائر! .. لكنّ عبدالناصر هدّأ من روعه قائلا: - ياعبدالجبار .. لازم تيجي مصر عشان تدرس في كلية الفنون الجميلة .. وأشار عبدالناصر لأمين عام الرئاسة الواقف إلى جواره بإكمال الإجراءآت ..، في مطار القاهرة تم استقبال الفتى الصغير كوزير مبجل! .. فقد كان في استضافة أمانة رئاسة الجمهورية والمفاجأة كانت أن يستقبله عبدالناصر في منزله في صباح اليوم التالي! في تمام العاشرة صباحًا كان الفتى الناحل بقميصه الأبيض وبنطلونه الأرجواني يدلف إلى بيت جمال عبدالناصر في مصر الجديدة وكانت المفاجأة صاعقة حين دخل صالون المنزل ، فقد كانت لوحته البسيطة التي رسمها لعبدالناصر وأهداها إليه في صنعاء تتوسط صالون بيت جمال عبدالناصر في القاهرة! لم يصدّق الفتى عينيه مرّةً أخرى! يعني أنا مهم لهذه الدرجة!.. تساءل الفتى وهو نصف واعٍ لما يراه ..كان ثملاً دائخا من دهشة اللحظة وهول المفاجأة! والتفت عبدالناصر يسأل أمين عام الرئاسة: إنتو خلصتوا إجراءآت قبوله في الفنون الجميلة؟ لا يافندم! .. - ليه؟..تساءل عبدالناصر مستغربا -للأسف يافندم .. الكلية تشترط الثانوية العامة وعبدالجبار تانيه إعدادي! وردّ عبدالناصر بسرعة: - طيّب .. ودّوه على الكلية الإيطالية للفنون في العباسية .. هي لا تشترط الثانوية العامة وشرطها الأساسي الموهبة! كان فتى الإعدادية شديد النحول واقفًا إلى جوار جمال عبدالناصر حين أمسك بيده فجأة قائلا له : تعال عشان أورّيك حاجة! وأمام دولابٍ مفتوحٍ ضخم أشار عبدالناصر بيده إلى أسماء الملفات التي احتلت معظم أرففه قائلا: - دي ملفات التنمية والتعليم والصحة في اليمن بتابعها من عندي هنا أوّلاً بأوّل ولم يدرك الفتى الصغير أهمية ودلالة أن تكون هذه الملفات في بيت جمال عبدالناصر إلاّ بعد سنوات من نضوجه! لكنه كان في تلك اللحظة غارقا في عرقه وتهيّبه واندهاشه..وكأنه في حلم لذيذٍ مرهق.. وغائم! وفجأةً ، انتبه الفتى على صوت عبدالناصر وهو يقول لأمين عام رئاسة الجمهورية : ودّوه على عُمَر أفندي واشتروا له ملابس كويسة! يتذكّر عبدالجبار ويضحك الآن من ذكرياته! كانت محلات عمر أفندي أحسن محلات ملابس في القاهرة لكن المشكلة أنهم لم يجدوا ملابس على مقاسه إلاّ في قسم الأطفال! شعر بحرجٍ كبير أمام مندوب رئاسة الجمهورية! لكن المندوب ربت على كتفه قائلا: الريّس بيحبّك يا عبدالجبار وعامل لك راتب ١٩ جنيه في الشهر والدراسة على حساب رئاسة الجمهورية! بعد سنة تمامًا أي في سنة ١٩٦٥وهو في السنة الثانية..تم تنظيم أول معرض للفتى الفنان.. والمفاجأة أن المعرض برعاية جمال عبدالناصر! أرسل جمال عبدالناصر وزير الإعلام محمد فايق ليفتتح معرض الفتى الصغير نيابةً عنه وتخرّج الفتى عبدالجبار نعمان ليصبح أحد أهم فناني العالم العربي ..والعالم! عبدالجبار نعمان .. ريشةٌ أم سماءٌ من البنفسج؟ أمْ جراحٌ تغني وتنأى في زمن الغبار؟ تُرى .. مَنْ أسالَ رمّانة قلبك .. مَنْ كَسرَ زجاجةَ روحِك فسالتْ لوعتُنا وثمِلتْ جفونُنا مَنْ فتّق بُرْعُمَ صبابتِك وسكب وَجْدَ أقحوانِك وغزَلَ أستارَ نأيِك ..، هذا بركانُ عاطفتِك فما كذبَ اللون وهذه أطيافُ هديلِك فما كذبَ الحُلم فسلامٌ على رفيفِ ضوئِك ورفرفاتِ لونِك .. سلامٌ على نأيِكَ وقُربِك ..... أصابعُك سماءٌ وريشتُك أهدابٌ وإطلالتُك أغنية