* هذا الرجل وطوال خمسين عاماً شغل الناس و ملأ الدنيا ، أسهر الخلق حوله ونام ملء جفونه عن شواردها .. صنع لنفسه مكانة مرموقة في قلوب الرياضيين وغير الرياضيين لا يدانيه فيها أحد.
* الأستاذ (أحمد محمد قعطبي) أشعل العلى بمصباحه الفكري ، فصنع لنفسه هالة ستبقى خالدة في فم الدهر ، وستظل مصدراً من مصادر الضياء لا تنطفيء.
* بعض رواة التاريخ يعشقون أوطانهم لأن مراتب النجاح عربون ذلك العشق ، لكن الأستاذ (أحمد قعطبي) خرج من الثقب الأسود لتاريخ وطن كان نطفة ، وربما مضغة ، عندما خرج للحياة يغني بين يدي (المستعمر) : أعطني حريتي أطلق يدي.
* كما لو أن رياضة (الجنوب) تعيش في قفصه الصدري ، كبرت بين ضلوعه ، وشبت عن الطوق بين حجرات قلبه المولع بالوطن ، تربت على يديه ، وتمددت على صدره كليل امرئ القيس.
* رياضة (الجنوب) في أحشاء هذا الطيف القزاحي وطن كبير لم يضق ذرعاً بأبنائه ، عاش (أحمد قعطبي) حياة رياضية باذخة الألم ومتقلبة المزاج في زمن كانت فيه الدسائس والمؤامرات تمضغ مع قهوة الصباح ، كان همه الأول والأخير فصل الرياضة عن السياسة ، أو على الأقل تحصينها من شرور الشعارات الزائفة.
* ليس من السهل إطلاق وصف جامع يختزل سجايا وصفات الأستاذ (أحمد القعطبي) ، لكنه يمثل الأب الروحي للرياضة الجنوبية ، ومظلة كل الرياضيين ، معلمها وأستاذها وشاعرها الأول بلا منازع ، يسكن بيت قصيدتها ، وتسكن هي كل قوافي حياته التي وهبها عن طيب خاطر لوطن مجنح يتأهب للانقضاض ، وتحرير كل الطاقات المكبوته في صدر رياضة الجنوب.
* كان (أحمد قعطبي) هو ذلك القبس القادم من مجرة الانعتاق ، وهو ذلك الفارس الأولمبي الذي امتطى حصانه الأشهب لينطلق بالرياضة الجنوبية نحو آفاق القسم الأولمبي الشهير.
* أصعب مقالة واجهتني في مسيرتي الإعلامية هي هذه المقالة ، فعندما تكتب عن (أحمد قعطبي) كأنك تقتحم عباب التاريخ .. تفتش .. تنقب .. تمحص .. حتى لا يسقط حرف سهواً فيختل توازن الدورة الرقمية للتاريخ.
* الكتابة بحد ذاتها عن موسوعة شاملة مثل (أحمد قعطبي) مجازفة ، ليس لأنها تحتاج إلى كاتب محترف ينتقي مفرداته بأوقيات الزئبق فقط ، ولكن لأن (القعطبي) جمع بين وجوه عديدة تحتاج إلى مجلد للنبش في دواخلها ، فهو رئيس اتحاد الكرة ، وهو وزير الشباب والرياضة ، وهو رئيس المجلس الأعلى للرياضة ، وهو رئيس اللجنة الأولمبية ، وهو النائب البرلماني ، وهو الرجل الاجتماعي الذي يعيش حياته بين الناس ببساطة وتبسط وانبساط ، وهو رائد الفضاء الذي رفع علم الرياضة الجنوبية في مرحلة المد الثوري ، الذي كان يشير إلى أن المجد للمطرقة والعيش للسندان .. الكتابة عن هذا الرجل تساوي الكتابة عن وطن بكل جغرافيته وتخومه وتاريخه ونضاله ، هل أدركتم الآن صعوبة الكتابة عن القيمة والقمة والمقامة (أحمد قعطبي)؟
* قيل عن القامة الجنوبية (أحمد قعطبي) أنه الأستاذ والمعلم وشجرة العطاء التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وغيرها من أوصاف خالدة لم يحظ بمثلها إلا قليل من العظماء الأجلاء.
* عندما غرس فسيلة العمل الأولمبي دعا ربه : رب اجعل هذا عملاً صالحاً ، كبرت فسيلة (القعطبي) ، نمت في واحة قلبه ، فأثمرت عملاً إدارياً احترافياً ، كانت فلسفته تدور حول بناء الرياضي الأولمبي ، كانت فلسفة تتطلب إعداداً في تنمية الأبطال ، وهو عمل جبار يتطلب مالاً في وطن زادته الشيوعية فقراً فوق فقره ، لكن (القعطبي) تحول إلى سندباد حقيقي وهو يوقع الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التي ساهمت في خلق بيئة نظيفة لممارسة الرياضة وفقاً وشعار (الأسرع .. الأقوى .. الأعلى).
* نعم ، أقولها وأنا في كامل قواي العقلية : لو أن لتاريخ رياضة (الجنوب) مرآة تحتفظ بكل الأطوار لكان الأستاذ (أحمد قعطبي) هو تلك المرآة العاكسة لتجليات مرحلة صعبة وضعت رياضة الجنوب على مفترق طرق ، ولو كان للتاريخ باب نلج من خلاله إلى آلة الزمن لكان (القعطبي) هو تلك الآلة التي تختزل وتختزن كل تلك المآثر والبطولات.
* بقي (أحمد قعطبي) كما هو رائد مدرسة التواضع ، إبتسامته لازالت كما هي نقية في نقاوة قلبه لا تؤثر فيها صروف الزمن ، تنير وجهه الخجول ، وتملأ عينيه بتألق دائم ، تلك الابتسامة التي تعكس طبيعة (القعطبي) وشخصيته ، وتشي بما في داخلها من بساطة نقف لها ونوفها التبجيلا ، كما لو أن هذا الرجل دائرة معارف شاملة لم نحسن قراءة محتواها ومبتغاها ، هذا الرجل باختصار مثل نهر يحاور ينبوعه.
* ليس لي في نهاية هذه المقالة المتواضعة سوى توجيه الشكر والتقدير لإدارة نادي وحدة عدن التي سبقت الجميع بإعلانها عن حفل تكريم لهذا الرجل الذي نقل نادي الوحدة من مجرد دكان يتسول الرحمة ، إلى كيان مؤسسي ، يسير في إثره أبناء النادي كالملوك ، وكل مناسبة والأستاذ (أحمد قعطبي) بيننا موسوعة ودائرة معارف وشمس لا تغيب ..!