هديل اليمنية .. طفلة تبحث عن بسمة في بلد طالته "الفجيعة"

Saturday 20 July 2019 11:56 am
هديل اليمنية .. طفلة تبحث عن بسمة في بلد طالته "الفجيعة"
----------
عدن/ شكري حسين/ الأناضول
في زمن كثر فيه القتلة والمقتولون على السوا وطال ترف الفجيعة الجميع، تظل حياة مئات الآلاف من الأطفال في "اليمن" هدفاً للكثير من القذائف، فيما المتصارعون "مرتهنون" للشيطان مقابل غنيمة الحكم وصولجان السلطة.
(هديل محمود عبدالواسع) "13" عاما من محافظة تعز "جنوب غربي" اليمن، أحد ضحايا الحرب التي أتت على المئات من اقرانها، في بلد سافرت عنه الطمأنينة وغدت الدماء ورائحة الجثث المحترقة عناوين لانتصارات "وهمية" يسوقها كل طرف لأتباعه.
لم تكن "هديل" وهي تمارس هوايتها في تسلق الاشجار القريبة من منزلها، إن قذيفة حوثية ستحيل أيامها إلى وجع دائم وألم جاثم، سيبقى معها ما بقيت على قيد الحياة.
تقول هديل وهي تروي قصة ألمها للأناضول، (في يوم الـ 7 من أبريل/ نيسان 2017، كنت أمارس هوايتي المعتادة في اللعب واللهو أمام منزلي الواقع بقرية العراري في مديرية جبل حبشي، مستأنسة بالأجواء الماطرة والطبيعة الخلابة التي تمتاز بها قريتي وسائر أرياف بلادي "اليمن".
وتابعت، فجأة سقطت قذيفة "حوثية" حاقدة علي وأنا أتسلق أحد الأشجار القريبة من منزلي، ولم أعلم بعدها إلا وأنا في غرفة الإنعاش بمستشفى البريهي التخصصي بمحافظة عدن "جنوبي البلاد".
 
الخبر الصاعقة ..
ما كنت أظن وأنا مستلقية على سرير المرض ويداي ملفوفتان بالرباط الأبيض، ، أنهما قد بترتا وأن الأصابع التي كنت أمارس بها عشقي في الكتابة والرسم قد ذهبت دون رجعة.
بهذه الكلمات، تستذكر "هديل" يوم علمها ببتر أطراف يديها الأثنتين، وتقول، ( نزل علي الخبر كالصاعقة، لم استوعب الأمر وأمي تحثني على الصبر واحتساب الأجر من الله، كنت حينها بين واقع الحقيقية المؤلمة، وعدم التصديق أنني أصبحت بدون يدين).
ومضت، (أسودت الدنيا في عيني وشعرت أن الأرض قد ضاقت علي بما رحبت، ثم تساءلت والحسرة تملأ قلبها: " كيف سأمسك القلم وأقرأ الكتاب وأتناول الطعام واستحم بنفسي كما كنت سابقا ؟؟).
وتضيف، (تسربت المسرات من داخلي كما يتسرب الماء من بين فروج الأصابع، لم يعد باستطاعتي الذهاب إلى مدرستي التي احبها كثيراً، ولم أعد أقوى على اللعب مع صديقاتي كما كنت أفعل).
 
وتابعت، (شعرت حينها بحسرة كبيرة، وأصيبت عيناي بالكلال ، لم أتخيل أنني لم أعد قادراً على فتح كراسات المدرسة وممارسة عشقي وهيامي في الكتابة، كنت اشعر بالعجز والقهر معاً.
 
عاشت هديل أيام صعبة وليالٍ مؤلمة، كانت فيها كثيرة النشج والإحساس باليتم، ترى في عينيها وهي تحدثك توسلات طفلة كسيرة جار عليها الزمان ونال من اشراقة وجهها وابتسامتها الدائمة ندوب الوجع.
 
يقول طه هزاع محمد ( خال هديل)، للأناضول، رغم هول الصدمة لم تستلم هديل للواقع فسرعان ما حاولت الكتابة، فمسكت القلم بأصابع قدميها ومن ثم بإسنانها إلا إنها لم تستطع الكتابة، أثر ذلك في نفسها كثيرا..
وأمام اصرارها على مواصلة تعليمها، تمكنت من مسك القلم بكلتا يديها المبتورتان، لكن الأمر لم يكن سهلا البتة.
 
معاناة أخرى ..
المصائب كما يبدو لا تأتي فرادى، فبعد السعادة التي غمرت هديل وهي تستعد لمغادرة اليمن صوب دولة أوربية يتم فيها صناعة أطراف صناعية لها، كانت صدمتها كبيرة جدا.
يقول طه، تبنت أحد المنظمات، ( نتحفظ عن ذكر أسمها)، "، أمكانية نقل هديل وطفلان آخران إلى مصر أولا ثم عاصمة سويسرا "جنيف" لتركيب اطراف صناعية..
ويتابع فور وصولنا إلى القاهرة، بدأنا معاناة من نوع أخر، حين أخبرتنا تلك المنظمة بضرورة عقد (مؤتمر صحفي)، أولاً، الأمر الذي أثار استغرابنا.
ويضيف، حاولنا الاستفسار عند الجدوى من المؤتمر الصحفي؟ ولماذا نحن مطالبون بهذا بالمؤتمر؟ ونحن أساساً أتينا لأجل العلاج !؟
وأوضح، عرفنا فيما بعد أن المسألة نوع من المزايدات الإعلامية والتكسب على حسابنا، بعيداً عن الجانب الإنساني الذي كان يغلف عمل تلك المنظمة في اليمن، الأمر الذي دفعنا إلى الرفض.
 
ردة فعل غير متوقعة
يقول طه، رفضنا لعقد المؤتمر الصحفي دفع تلك المنظمة إلى حجز جوازاتنا ومنعت عنا حتى الـ "50" جنيهاً، التي كانت تصرفها لنا كمصروف يومي.
ويمضي، مرت علينا أيام صعبة بكل ما للكمة من معنى، ولولا وقوف أهل الخير معنا لوجدنا انفسنا مرميين في الشارع، وكان أكثر ما كنا نتمناه هو العودة إلى بلدنا.
وأوضح، أمام هذه الأحداث المؤلمة لجأنا إلى سفارتنا في القاهرة، وتمكنا بعد 4 أشهر من استعادة جوازاتنا، وخلال تلك الفترة تمكنا من الحصول على وعود من قبل أحد رجال المال والإعمال في تعز، في التكفل بعمل اطراف صناعية داخل القاهرة.
وأشار، اخبرنا بعض الدكاترة هنا والشخص المكلف بعلاج هديل ان تركيب أطراف صناعية "الكترونية" صعب جدا، وبالتالي علينا الاقتناع بتركيب اطراف عادية، فقبلنا بالأمر مكرهين.
تستعد هديل بنفس مكسورة لتركيب الاطراف الصناعية في القاهرة بعد 6 أشهر من المعاناة والمتابعة والألم، ولسان حالها ليس الحزن هو وحدة المكتوب، لكنه "العذاب".
ستظل هديل تبكي بحرقة يداها المبتورتان، وستظل تذرف الدموع دون أن تتمكن من مسحها، في عينيها توسل كسير بأن تترك وحيدةً ، وغاية ما تتمناه حالياً أن تجد من يمسح الدموع عنها ويساعدها على أن تمسك القلم وتذهب إلى المدرسة، لتحقيق حلمها الكبير بأن تكون إعلامية ومقدمة برامج تلفزيونية مستقبلاً ، فهل تأمل ؟