قالت الناشطة اليمينة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، إن "السعودية والإمارات سوف تدعمان مزيدا من الانقلابات باليمن، وسوف تقومان بتغذية الانقسامات السياسية والمناطقية"، لافتة إلى أنه من "المُتوقع أن تشهد محافظات تعز ومأرب وحضرموت انقلابات مسلحة أيضا".
وشدّدت، في الحلقة الثالثة والأخيرة من المقابلة الخاصة مع "عربي21"، على أن "الشعب اليمني سيتعامل معهما (السعودية والإمارات) كعدوين واحتلال مشترك، وسيقاومهما كل من موقعه، وسيتبادل أبناؤه الأدوار والمهام لتحرير بلادهم".
ورأت أنه "لا طريق لإنهاء الأزمة باليمن سوى التحرر من الوصاية السعودية، وطرد الاحتلال الإماراتي السعودي، ومقاومة الانقلابيين في صنعاء وعدن"، مؤكدة أن "الشرعية قوية، لكنها مُكبلة في الرياض، خاصة أن الجيش الوطني لديه القدرة على بسط سيطرته على كامل المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات المدعومة من الإمارات، لكن ما يمنعه هو التحالف وافتقاد قيادة الشرعية لاستقلالية قرارها السياسي".
وحول علاقة الإمارات بالحوثيين، قالت: "هناك تخادم بينهما، فالحوثي يستفيد من سياسة الإمارات لإضعاف الشرعية، والإمارات تستفيد من الحوثي في تجزئة اليمن ومعاداة الإخوان المسلمين، ولا استبعد أن يحدث تسوية من نوع ما بين الطرفين، خاصة في ضوء التواصل الحالي بينهما".
وفيما يلي نص الحلقة الثالثة والأخيرة من المقابلة:
- كيف تابعتم البيان الإماراتي السعودي المشترك الاخيرة والذي أكد وحدة موقفهما من أحداث جنوب اليمن، ودعمهما للتهدئة، داعين للحوار بين أطراف النزاع؟
- حقيقة لم أقرأ هذا البيان، ولن أقرأه، لأنني على يقين تام أن تلك الدولتين المارقتين الغادرتين تتبادلان الأدوار وتكمّلان بعضهما لتنفيذ مخطط واحد لتدمير وتفتيت اليمن، وتتقاسمان الهيمنة والوصاية والاستحواذ عليه، وأن هذه هي أجندتهم وأهدافهم الحقيقية لحربهم على اليمن، وما أعلن من أهداف خاصة، باستعادة سلطة الشرعية هي مجرد غطاء لذر الرماد على العيون.
والشعب اليمني سيتعامل معهما كعدوان واحتلال مشترك، وسيقاومهما كل من موقعه، وسيتبادل أبناؤه الأدوار والمهام لتحرير بلادهم، وما ظلمناهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
- متى قد تعود الحكومة الشرعية لعدن؟ وهل تتوقعون تلك العودة بالسلم أم بالحرب؟
- هذا الأمر مرتبط أولا بموقف حازم من الإمارات والسعودية، والتحرر من اختطاف الرياض للشرعية والوصاية على قرارها السياسي.
اليمنيون لن يفرطوا بوطنهم وسيقاومون بكل قوة الاحتلال الإماراتي والوصاية السعودية. وإذا أرادت قيادة الشرعية أن تنقذ نفسها وتستعيد مكانتها بمقدمة صفوفهم لإنجاز مهام وطنية تاريخية تنتظر اليمن، فعليها أن تغادر عجزها وتقطع مع أدائها السابق.
- البعض يقول إن هناك الكثير من المسؤولين في الشرعية جيوبهم مع الحكومة الشرعية ومواقفهم مع المجلس الانتقالي.. هل هذا دقيق؟ ومن المسؤول عن استمرار هؤلاء في مواقعهم؟
ليس الكثير، لكن هناك من المسؤولين من يلعب هذا الدور المزدوج، فقد أفرطت الشرعية في المحاصصة والترضيات، وأصدرت مئات قرارات التعيين على أسس عشوائية لا علاقة لها بدولة ولا بقانون ولم تستند لأي معايير.
جزء من خيبة الأمل بالشرعية تولد من هذه التعيينات والفساد الذي يقف خلفها. تفتقد الشرعية للقيادة والموقف، وهذا أدى إلى أن يستغل مسؤولون في الشرعية مواقعهم للعمل على أهداف لا علاقة لها بالشرعية والدولة اليمنية. وتأييد ميليشيات الإمارات أو أهداف التحالف المعادية لليمن، من مواقع المسؤولية داخل الشرعية خيانة عظمى.
- محمد عبد الله الحضرمي نائب وزير الخارجية اليمني طالب بانسحاب قوات الانتقالي الجنوبي من المواقع التي سيطرت عليها في عدن قبل أي حوار.. فهل تتوقعون أن يتحقق ذلك ؟
- تصريحات نائب وزير الخارجية اليمني رغم سقفها المنخفض تبدو منطقية. يجب أن يحدث الانسحاب قبل الحوار وتسليم الأسلحة للجيش الوطني، وبعدها لا مانع من أي حوار بعيدا عن الإملاء واستخدام القوة وتحت سقف الجمهورية اليمنية.
- السفيرة الأمريكية السابقة في اليمن، باربرا بودين، قالت إن ما نشهده اليوم في جنوبي اليمن عبارة عن حرب أهلية داخل حرب أهلية.. فهل الأمر كذلك؟
- ربما كانت تعني السفيرة بودين الإشارة للبعد المناطقي في الموضوع، بحيث بدت المعركة وكأنها بين الضالع ويافع من جهة، وبين أبين وشبوة من جهة أخرى.
عموما، عندما يغيب المشروع الوطني، تحضر المشاريع الصغيرة، ومشروع الانتقالي مثل مشروع الحوثي صغير جدا، لأنه يُقزم اليمن ويلغي من حساباته طموحات الشعب اليمني عبر تاريخه الطويل، ويتنكر لمسار طويل من نضالات وكفاح الحركة الوطنية اليمنية وثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر.
- هل التطورات الأخيرة قد تؤدي إلى تمهيد السبل لتسوية سياسية لإنهاء الأزمة أم أنها ستعقد المشهد أكثر؟
- بالتأكيد سوف تسهم في تعقيد المشهد، كان لدينا انقلاب، فصار لدينا انقلاب ثان، وربما نشهد انقلابا ثالثا، ما دام هناك تحالف تقوده السعودية لديهم مشاريع هيمنة وتوسع، فإن اليمن سيظل حقل تجارب لتلك المشروعات الغبية. لكن بنهاية المطاف سينقلب السحر على الساحر ولن يكون بمقدور السعودية والإمارات استمرار العبث بشعبنا ووحدته طويلا.
- المفكر الكويتي عبد الله النفيسي حذر من تبعات الانقلاب الذي جرى بعدن، وتكرار ذات السيناريو في تعز التي تسيطر عليها قوات الشرعية، هل سيحدث انقلاب جديد بتعز بالفعل؟
- يبدو أن الدكتور النفيسي محق في مخاوفه؛ فالسعوديون والإماراتيون سوف يدعمون مزيدا من الانقلابات، وسوف يقومون بتغذية الانقسامات السياسية والمناطقية، والمُتوقع أن تشهد محافظات تعز ومأرب وحضرموت انقلابات مسلحة أيضا.
يجب شل اليمن، هذه استراتيجية التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، والحديث عن استراتيجية السلام من قبل الإمارات والسعودية هو من قبيل التضليل الإعلامي وحسب.
لكن اليمن أكبر منهم، وفي نهاية الأمر ستخرج اللعبة من أيديهم لن يكون بإمكانهم التحكم بها، شعبنا يشعر الآن أنه يتعرض لتهديد وجودي وسيفعل كل ما من شأنه لمواجهة هذا الخطر والانتصار على هذا التهديد.
- جماعة الحوثي أعلنت تجميد هجماتها ضد الإمارات، بعدما قالت إنها لمست ما وصفته بمؤشرات إيجابية حيال موقف أبو ظبي من الحرب في اليمن، بينما تواصل الجماعة هجماتها على السعودية دون توقف.. فكيف ترون هذا التطور في العلاقة بين الحوثي والإمارات؟ وما هو سبب لجوء أبو ظبي لمهادنة الحوثي وإيران؟
- خشيت الإمارات من أن تطالها صواريخ الحوثي وطائراته المسيرة على غرار ما يحدث للسعودية وما سيترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الاقتصاد الإماراتي، فهي دولة زجاجية ليس بإمكانها تحمل تبعات الهجوم عليها بالطائرات المسيرة وصواريخ كروز مثل السعودية، لم يكن ذلك مجرد خشية بل تلقت تهديدا من الحوثيين ومن الإيرانيين عن طريق وسطاء، فأعلنت أنها ستنسحب من اليمن، وبالمقابل أعلن الحوثي أنه لن يقصفها.
ربما أن الحوثيين قد غيّروا من استراتيجيتهم قليلا تجاه الإمارات، سيكتفون بانسحابها عن مواجهتهم من المحافظات الشمالية وبقائها مؤقتا في الجنوب حتى تنتهي من إضعاف الشرعية وإسقاطها بالانقلابات في جميع المحافظات الجنوبية.
ويمكن القول إن هناك تخادما بينهما، فالحوثي يستفيد من سياسة الإمارات لإضعاف الشرعية، والإمارات تستفيد من الحوثي في تجزئة اليمن ومعاداة الإخوان المسلمين، ولا أستبعد أن يحدث تسوية من نوع ما بين الطرفين، خاصة في ضوء التواصل الحالي بينهما.
ما هي طبيعة العلاقة بين الانفصاليين الجنوبيين والحوثيين؟
كلا الطرفين لديهما نفس العدو، ويرغبان بحكم اليمن أو جزء منها بالقوة. كلاهما انقلابي ومتمرد، لكن الفرق أن الحوثي انقلب على السلطة ليحكم اليمن بطريقة شمولية بالقوة والقهر في حين أن انقلاب الميليشيات في عدن المدعومة من الإمارات على الدولة اليمنية بغرض تقسيمها إلى دويلات.
لديهما حاليا مصلحة مشتركة في التخلص من الشرعية، لكن لاحقا ستحدث المواجهة بينهما، فالحوثي يسعى لحكم اليمن، ولن يقبل بإرادته بأي انفصال لأجزاء منها.
هذا إذا افترضنا خلو الساحة اليمنية من القوى الأخرى، وهذا افتراض غير صحيح، هناك قوى الشرعية المسنودة بالجيش الوطني والمقاومة الشعبية وجميع الأحزاب السياسية تقريبا، ولديها مشروع مناقض للمشروعين الانفصالي والحوثي الرامي لحكم اليمن بالقوة والقهر.
- كيف ترون دعوة البعض لحزب الإصلاح بالابتعاد عن المشهد كي لا يعطوا أي مبرر أو حجة لأحد؟ وما هي انعكاسات التطورات الأخيرة على حزب الإصلاح؟
- المستهدف هي اليمن ووحدتها ووجودها وليس حزب الإصلاح فقط، انقلاب الحوثيين في صنعاء تم تحت حجة تحجيم الإصلاح وبغطاء الفوبيا من الإصلاح. انقلاب عدن هو الآخر أعاد نفس الأسطوانة.
تقويض الشرعية ورفض عودتها للمناطق المحررة يُغلف بنفس المبررات، الخوف من سيطرة الإخوان، لكن ما هو واضح أن المطلوب رأس اليمن ومشروع الثورة السلمية المتمثل بمخرجات الحوار الوطني وليس رأس الإصلاح.
وحزب الإصلاح هو حزب سياسي يمني يُمارس نشاطه السياسي وفق الدستور والقانون منذ تأسيسه قبل 29 عاما، وهو حزب وطني له حضوره في كل بقاع اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وهو قوة رئيسية داخل الشرعية، ويعمل سياسيا بالتناغم معها وضمن أهدافها الوطنية، واستهدافه بالاجتثاث هو استهداف للحياة السياسية والتعددية السياسية التي كانت إحدى أهم مكاسب الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من أيار/ مايو 1990.
انعكس ذلك على ارتهان قيادة الحزب للسعودية وإحجامها عن فعل أي شيء لتحرير القرار اليمني من الوصاية السعودية كخطوة أولى ضرورية لحماية اليمن من الأجندة الشريرة للتحالف، الإصلاح كحزب كبير يضم مئات الآلاف من الأعضاء مثّل ميدانيا رافدا كبيرا للشرعية، لكن لديه قيادة شائخة مرتهنة في الرياض وعاجزة عن التعبير عن تطلعات الحزب وأحلامه وتضحياته الكبيرة.
- كيف تقيمون مواقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة من التطورات الأخيرة باليمن؟
المجتمع الدولي موقفه واضح ومُعلن وقراراته الدولية معروفة، وهو مع وحدة اليمن وأمنه واستقراره، ولم يعترف بالانقلاب الحوثي، ولن يعترف بأي انقلاب آخر.
- برأيكم، من المسؤول عما آلت إليه الأوضاع باليمن؟
كثيرون، مليشيا الحوثي، والمخلوع صالح اللذان قادا انقلابا على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومسودة الدستور الاتحادي، والشرعية التي غرقت في الفساد واللامبالاة، فأصبحت أداة في يد الأجنبي لتدمير البلاد، والتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات الذي استغل حاجة اليمنيين للمساعدة، وقام بتفكيك اليمن أكثر مما فعل الانقلاب. مشكلتنا في اليمن، أن القتلة والأوباش المحليين والخارجيين تجمعوا في وقت واحد لاستهدافنا.
لكن ثقتي بشعبنا وقدرته لا نهائية، ليس هناك مخاطر وتحديات لا يقدر على تجاوزها والانتصار عليها في نهاية الأمر.
- ما الذي قد تؤول إليه الأوضاع باليمن لاحقا؟
المؤامرة السعودية الإماراتية مستمرة، السلاح مستمر بالتدفق إلى ميناء عدن لميليشيات المجلس الانتقالي، والضغوط الشعبية مستمرة على الشرعية لإيقاظها والتحرك بعيدا عن الوصاية السعودية أولا إذا أرادت أن تكون جديرة باسمها.
لا طريق سوى التحرر من الوصاية السعودية وطرد الاحتلال الإماراتي الصغير ومقاومة مؤامرة تفتيت البلاد، ولاحقا إسقاط الانقلاب في صنعاء إن بالحوار وإن كرها بإرادة الجيش الوطني والارادة الشعبية الغلّابة، وإن أصر الحوثيون على المضي في حكم اليمنيين بالقوة والقهر، لكنني متفائلة أن اليمنيين قد سئموا من الحرب وسيصنعون سلاما لائقا ينتصر للدولة اليمنية ولكل ما سبق إن توافقوا عليه.
- ما مستقبل الشرعية؟ وما مقدار قوتها أو ضعفها؟
الشرعية قوية، حتى وإن بدا أنها مُكبلة في الرياض، لكن الشرعية مبدأ وليست أشخاص، هي مشروع اتفقنا على تفاصيله في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وكنا على بعد أسابيع فقط للاستفتاء على الدستور الجديد الذي صيغ بناء على مخرجات الحوار ومن ثم إجراء الانتخابات المختلفة بناء عليه، لولا الانقلاب الذي عطل إكمال تلك الاستحقاقات، ولاحقا الحرب التي ذهبت بعيدا في ضرب فرص عودة الشرعية وتنفيذ مشروعها عن سبق إصرار وترصد من قبل دول التحالف.
يمكنني القول إن الشرعية اليمنية كمشروع ومبدأ تحظى بإجماع شعبي وبالتفاف قوى كثيرة، هذا هو المشروع الوطني الذي سيُكتب له النجاح والنصر في النهاية.
والشرعية اليمنية التي يتمسك بها اليمنيون ويدافعون وسيدافعون عنها ويتصدون وسيتصدون لكل من يحاول تقويضها ونسفها ليست أشخاصا، هي مبادئ ومهام واستحقاقات توافق عليها اليمنيون. من كان ضدها وتنازل عنها فهو غير شرعي حتى لو كان عبدربه منصور هادي، ومن وقف معها ودافع عنها فهو شرعي حتى لو كان هاني بن بريك وعيدروس النقيب.
واليمن عصية على التقسيم، وعصية على الاحتلال، وعصية على الوصاية، وعصية على أن تُحكم بالقوة والقهر. ستغرق هذه الممالك والإمارات بين أقدام شعبنا العظيم وأرضه الطاهرة. إنهم لا يعرفون اليمن.
وهناك ثمة شعور عام بإنجراح الكرامة الوطنية لليمنيين. هذا الغضب اليمني الكبير سيفشل كل الرهانات الخارجية على تجزئة اليمن وتوزيعها بين الاستعمار وحكم الحوثيين بالغلبة والقهر. إما أن تكون اليمن أو لن تبقى دولة في الجزيرة العربية. وهو ما لا نريده أو نتمناه بالطبع، لكن سيكون نتيجة لمحاولاتهم العبث باليمن على ذلك النحو المدمر.
ومستقبل الأوضاع باليمن يتوقف على مدى قدرة اليمنيين على إنتاج سلطة تعبر عن إرادتهم، ومدى تصميمهم على مقاومة المخططات الخارجية، لكن ما أنا متأكدة منه، هو أن السعودية والإمارات ستدفعان ثمن هذه الخيانة، وهذا الغدر بالشعب اليمني.
في النهاية الجبال أكثر رسوخا من الأبراج الزجاجية، واليمن هو أكبر الأحجار في منطقة الجزيرة العربية، والمساس به، سوف يصيب المنطقة في مقتل.