أشرف الفلاحي- عربي21
حصلت "عربي21" من مصادر عسكرية يمنية على تفاصيل الانتكاسة الميدانية والمحرقة التي تعرض لها آلاف الجنود اليمنيين الذين جندتهم السعودية على يد الحوثيين أواخر آب/أغسطس الماضي، في منطقة كتاف بمحافظة صعدة حيث المعقل الرئيس للحوثيين شمال البلاد.
وتكشف المصادر معلومات صادمة وشهادات "مروعة"، ينقلها أفراد نجوا من هذه المحرقة، وأسباب هذه الانتكاسة التي تعرضوا لها ودور قيادة التشكيلات العسكرية التي لا تتبع وزارة الدفاع اليمنية، والخاضعة لإشراف المملكة مباشرة.
وقال أحد العسكريين الناجين لـ"عربي21" مشترطا عدم كشف اسمه، إن ما تم انجازه خلال عام ونصف، ذهب في أيام. مضيفا " ما تعرضنا له، هو مؤامرة تشترك فيه قيادة المحور، التي لا علاقة لها بالعمل العسكري، والقيادة السعودية.
وأكد أنه في آب/ أغسطس الماضي، بدأنا بهجوم على الحوثيين وبخط مستقيم انطلاقا من قلب مسرح العمليات وتحديدا وادي جبارة، وأحرزنا تقدما مهما، واقتربنا من جبل عنبان الاستراتيجي، الذي يتحكم بخط الأمداد للحوثيين.
وأشار إلى أنه مع اقترابنا من الجبل، بدأ المتمردون بهجوم معاكس، وبقوة كبيرة، تم التحشيد لها منذ ثلاثة أيام، ورغم إبلاغنا القيادة، لكن لم تقم بأي شيء.
وبحسب المصدر فإنه في تمام الساعة الثالثة فجر 25 أب/ أغسطس، "واصل المتمردون الحوثيون هجومهم وبشكل عنيف نحو مواقعنا".
وتابع: "قاومنا هجوم الحوثي، إلا أن إمكانية صده تقل لدينا، نظرا لعدم امتلاكنا أسلحة متوسطة أو ثقيلة كما هو الحال لديهم، أي الحوثيين، وما نمتلكه خارج الجاهزية، ومع ذلك استمرت مقاومتنا حتى قرب الفجر، قبل أن ننسحب بسبب كثافة النيران وقوتها من قبل العدو.
وقال العسكري: "أبلغنا قيادة محور كتاف، بطبيعة الهجوم، ومتطلبات مواجهته، لكننا، تفاجأنا بغياب أي تحرك من قبلها، في الوقت الذي يواصل الحوثيون هجومهم نحو مواقعنا في منطقة القلب وادي جبارة والميسرة، حتى تم إطباق الحصار عليهما تماما".
ولفت إلى أنهم كانوا يشاهدون مسلحي الحوثيين يتحركون بحرية وبارتياح تام، ومركباتهم العسكرية واقفة في الشارع بكل طمأنينة، رغم بلاغاتنا بضرورة تدخل الطيران السعودي.
وفي أعقاب التقدم الحوثي وإطباقه الحصار على القوات المتواجدة في القلب والميسرة، أوضح المصدر العسكري، أن الهجوم الحوثي اتجه نحو "تلة الموت" المنفذ الوحيد المتبقي لنا.
وأردف قائلا: "اتصالاتنا لم تنقطع ونادينا القيادة مرات ومرات، لكن دون جدوى، فانتهى اليوم الأول، فيما مسلحو الحوثي يزحفون تجاهنا ونحن نتصدى لهم".
وأضاف: "طلبنا تحرك الطيران الحربي لاستهداف تحركات الحوثيين، لكن لم يتم الاستجابة لنا، حتى وصل الحال بنا محاصرين بلا طعام ولا ماء".
وبين المصدر أن المواجهات دخلت يومها الثاني، في الوقت الذي "ضيّق الحوثيون علينا الخناق أكثر من الأمام والخلف، ونحن مستمرون في المقاومة والتصدي لهم، حتى أوشكت الذخيرة على النفاذ.
وأفاد بأن "معنوياتنا تراجعت بعد نشر أخبار أن الكتائب تلو الأخرى سقطت وتم أسر عناصرها، وفي ظل الغياب التام لأي تحرك من قبل القيادة".
وبحسب المصدر فإنهم أدركوا حينها وكأن الأمر مرتب من قبل.
وقال: "كانت هناك قوة سعودية متواجدة معنا، فقررت الخروج من أرض المعركة، وهو ما اعتبرناه انتحارا ومجازفة كبرى، ذلك أن الطريق بات مسيطرا عليه من قبل الحوثيين".
وأضاف المصدر: "قرر العسكريون السعوديون الخروج على متن 10 عربات، فيما اعتلى العشرات من الأفراد اليمنيين العربات، وفي منتصف الطريق، بدأ الحوثيون في استهداف العربات، وهو ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من اليمنيين والسعوديين".
وأضاف أن "من لم يقتله الحوثيون من الجنود اليمنيين، داست عليه العربات السعودية".
في حين أفاد مصدر عسكري ثان أن 60 فردا فقط نجوا وتمكنوا من تجاوز الاستهداف الحوثي، ووصلوا على متن ثلاث عربات فقط من أصل 10، مؤكدا أن عسكريين سعوديين وقعوا في الأسر، فيما قتل عدد أخر منهم.
"اليوم الثالث"
وتحدث المصدر الأول عن اليوم الثالث، وقال إنه سار دون أي تحرك فعلي من قبل قيادة المحور، وأوضح: "جراء على هذا الخذلان، قررت القوات المحاصرة في وادي جبارة، الخروج والزحف على تلة الموت.. وكنا بالآلاف، كونها المخرج الوحيد الأٌقرب لنا".
وقال: "واجهنا الحوثيين من مسافة صفر، واقتحمنا التلة، لكن كانت خسائرنا كبيرة، فقد سقط منا المئات بين قتيل وجريح".
وشدد على أنه لم تعد بأيديهم أي حيلة أو خيارات أخرى، "سوى هذا الخيار الانتحاري بعد تخاذل قائد المحور طيلة 3 أيام من الحصار".
وتابع: "قمنا بهذا الهجوم ونحن لم نأكل أو نشرب منذ 3 أيام، وصولاإلى اليوم الرابع، وتحديدا، الرابعة عصرا، عثرنا على بركة ماء راكدة، لونها أخضر، مليئة بالطحالب، فكأننا رأينا ماء زمزم" وفق وصفه.
واستمرت القوات في قتال الحوثي، في مشهد درامي، وفقا للمصدر، حتى تمكنوا من الوصول إلى "تلة الموت" المعبر الوحيد، وذلك الساعة الثامنة مساء 29 آب/أغسطس.
وواصل حديثه قائلا: استمرت القوات في الخروج على دفعات، وسط قتال عنيف ومن مسافة صفر مع العدو الحوثي، ولكن كانت كل دفعة تخرج أقل من التي قبلها.
في حين أكد مصدر عسكري ثان أن أكثر600 فرد بينهم عشرات الجرحى، هم من تمكنوا من الخروج من إجمالي 4 آلاف فرد من قوام محور كتاف.
ويسرد المصدر الذي كان متواجدا خارج الجبهة، بعض المشاهد "للناجين من محرقة الحوثي، فمنهم من أغمي عليه بعدما وصل إلى مؤخرة المحور، وأخرون شربوا الماء وماتوا فورا، في وقت لم تكن فيه الإجراءات سواء الطبية أو الإيوائية عند مستوى مأساتهم".
وأضاف المصدر أن قائد محور كتاف، رداد الهاشمي، الذي وصفه بـ"الشيخ" أصدر أمرا بالسماح لمن يطلب من هؤلاء إجازة، بالسفر، وغادر الكثير منهم، وبقي القليل.
وكشف المصدر أنه خلال أيام الحصار الأربع والمواجهات من الحوثيين ومع نفاذ الطعام والماء "أكلوا أوراق الشجر وطعاما متعفنا ومنهم مات جوعا وأخرون ماتوا نزفا في الجبال".
وكشف عن مشاهد وصفها بالمؤلمة وقال: "ترك الجرحى ينزفون حتى الموت والبعض الآخر اختار الانتحار على أن يقع أسيرا لدى الحوثيين".
"استقالات واخفاء"
وأفاد المصدر العسكري الأول لـ"عربي21" بأن قائد قطاع الميمنة، وهو رجل عسكري محنك، ويدعى أبو سالم، جرح في هجوم شنه الحوثيون في أيار/ مايو الماضي.
إلا أن الرجل تم اخفاؤه بعد ذلك، من قبل القيادة السعودية واليمنية للمحور، دون معرفة أسباب ذلك. حسبما ذكره المصدر
وقال: بعد ذلك تم تكليف قائد جديد للقطاع، يدعى "جلال الارحبي"، إلا أنه استقال، بناء على طلبه حيث طلب منه الهجوم على الحوثيين، بسبب عدم تلبية السعوديين والهاشمي للمطالب التي قدمها.
وإثر استقالة الارحبي، تم تكليف "فائز الهرش"، المكنى بأبي حسام، قائدا جديدا للقطاع، إلا أنه وبعد شهر من تعيينه وتحديدا في تموز/يوليو، شن المتمردون الحوثيون هجوما على القطاع، ليتمكنوا من السيطرة على نصف القطاع والذي يتألف من ثلاث كتائب هي "سلمان 1 و2 و3 " بالإضافة إلى تشكيل رابع يسمى "المهاجرين".
ولم يتبق من التشكيلات العسكرية في هذا القطاع سوى ثلاثة كتائب وهي "سلمان 4 و5 وكتيبة الحزم".
وإزاء هذه التطورات، أشار المصدر إلى أنه تم مخاطبة قيادة المحور بضرورة "إرسال تعزيزات لاستعادة المواقع التي سيطر عليها الحوثيون وتأمين المواقع المتبقية فلم يكترث لذلك".
"أسباب الانتكاسة"
وسرد المصدر العسكري أسباب هذه الانتكاسة الكبرى، التي قال إنها كلفتهم الآلاف بين قتيل وجريح ومفقود وأولها "افتقار قيادة محور كتاف، لأدنى خبرة العسكرية، ولا يمكن إطلاق وصف قيادة عليها، بل إن اختيارها تم على أساس انتمائها للتيار السلفي.
أما السبب الثاني فيكمن في أن التقدم كان للقوات المتواجدة في "قلب مسرح العمليات" في وادي جبارة، نحو 20 كلم، بينما ميمنة العدو لا تبعد عنها سوى أمتار.
وأورد سببا أخر وهو "عدم ارتباط المحور بوزارة الدفاع اليمنية وإن كان ارتباطا صوريا".
وأكد أن إهمال جبهة الميمنة التي كانت سببا في انهيار القوات في القطاعات الأخرى، والتساهل فيها وعدم الاهتمام بها، رغم كل التقارير التي رفعت لقيادة المحور، التي تشرح فيها الخطر وتداعياته على القوة المتواجدة في الداخل سواء "من قطع الأمداد عليها أو حصارها"، وهو السيناريو الذي حدث.
ومن الأسباب أيضا "غياب القيادة شبه التام في هذا الموقف، واستهتارها بالتقارير الاستطلاعية عن حالة العدو وتحركاته، ومدى خطورتها.
"مسرح عمليات محور كتاف"
تتوزع معظم القوة التابعة لمحور كتاف في منطقة القلب في وادي جبارة، الذي سيطر عليه الحوثيون بعد فرضهم حصارا خانقا على القوة فيها التي يقدر حجمها 70 في المئة من قوات المحور.
في حين تتوزع الـ 30 في المئة من القوة في جبهات الميمنة المسماه بـ"السلمانات"، وميمنة الميمنة المطلة على مدينة نجران السعودية. والـ10 في المئة من القوة تتمركز في قرية الفرع خارج الجبهة، وتختص بأعمال إدارية.
"القوة في محور كتاف"
لواء الفتح وهو القوة الضاربة في المحور، وكان مسيطرا على ثلي المحور، وكانت هناك ترتيبات بضمه لوزارة الدفاع ولكن لم يتم ذلك.
ويقود هذا اللواء، شخصية سلفية، يدعى "رداد الهاشمي"، وليس له علاقة بالجانب العسكري، وهو من طلاب مركز دار الحديث في دماج بصعدة، قبل أن يسيطر الحوثيون عليها مطلع العام 2014.
لواء الهاشمي، الذي يشغل أيضا قائدا لمحور كتاف، لديه امكانات كبيرة من المؤن والتسليح ويتقاضى رواتب بالريال السعودي، فيما يصل اعتماد اللواء شهريا نحو 2 مليون ريال سعودي بما يساوي 540 ألف دولار أمريكي تقريبا.
لواء الوحدة وهو لواء عسكري يعتبر أساسيا، ويتبع وزارة الدفاع، رغم أن مصدرا عسكريا بوزارة الدفاع نفى وجود أي ارتباط إداري أو عملياتي، لهذه التشكيلات في محور كتاف بالوزارة.
هناك لواء ثالث باسم "122" ويعتبر غير رسمي، وتم ضمه لقطاع عسكري تابع للواء الفتح، بعد انهياره قبل سنة، لكنه مازال محتفظا باسمه.
لواء "الفاروق"، وهو تشكيل قيد التشكيل وتجري الآن ترتيبات لاعتماده لواء.
ـ لواءان أخران يتواجدان خارج نطاق قيادة محور كتاف، باسم "حطين والخاصة" ويتبعان مباشرة القيادة السعودية.
ـ قوة مشتركة سعودية وسودانية.
أين الطيران؟
ومع النداءات المتكررة للوحدات المحاصرة في وادي جبارة لقيادة المحور، بشأن ضرورة تدخل الطيران الحربي السعودي، قال المصدران إن الطيران تدخل في اليوم الرابع بعد إطباق المتمردين حصارهم على المنطقة واسقاطهم المواقع تلو الأخرى.
وفي اليوم الخامس، شن الطيران ضربات مكثفة، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن تمكن الحوثيون من حسم المعركة لصالحهم وصولا إلى منطقة "سقام" أولى المناطق المطلة على الأراضي السعودية.
"ما أنجز بعام ونصف انتهى بأيام"
وفي السياق ذاته، أوضح أحد المصدرين العسكريين أن ما تم السيطرة عليه خلال عام ونصف، تلاشى بأيام، وعدنا إلى منطقة الصفر، فقد نجح المتمردون في السيطرة على وادي جبارة وقرية الفرع ومناطق تسمى "ميمنة الميمنة"، والمطلة على نجران السعودية.
وقال: "قبل عام ونصف، تم بدء الهجوم على الحوثيين انطلاقا من منطقة سقام الحدودية مع نجران، ولكن، بشكل طولي على الطريق الأسفلتي، أعقبه شق طرقات على الجبال التي تم السيطرة عليها.
لكن خطة الهجوم هذه، حسب المصدر، كانت محل اعتراض بعض القادة في القطاعات العسكرية، لاسيما، بعد دحر مسلحي جماعة الحوثيين من وادي جبارة، قدموا خطط لقيادة المحور بتوسيع مسرح العمليات عموديا، لتأمين المواقع التي تم السيطرة عليها.
ويؤكد: "لم يلتفت قائد المحور الهاشمي لتلك الخطط العملياتية، وكان منها توسيع سيطرة القوات المتمركزة في قطاع الميمنة والميسرة وتعزيزها بمزيد من القوة وتحديدا من بداية قرية الفرع من وادي جبارة لتحكمها بالطريق الأسفلتي وتأمينها من أي التفاف يقوم به المسلحون الحوثيون".
وحصلت "عربي21" على قائمة تضم ما يزيد عن 500 مفقود بين قتلى أو أسرى لدى الحوثيين وكلهم ينتمون لمحافظة إب وسط اليمن.
وقال المصدر لـ"عربي21" مشترطا عدم الكشف عن اسمه: إن هناك قائمة أخرى تضم مئات المفقودين من الأفراد المنحدرين من محافظة تعز (جنوب غرب).
ومن ضمن المفقودين، وفقا لمصدر عسكري أخر، والذين لا يعرف مصيرهم هل قتلوا أم اعتقلوا من قبل الحوثيين ما يزيد عن 30 طبيبا يعملون في اللجنة الطبية بالمحور.