في العصر التكنولوجي المتصارعِ الإنجازاتِ يبدو أن العاداتَ القديمة في التفاعلِ بين الآباءِ وأبنائهم لم تعد كافيةً لإقامةِ علاقة متبادلة تمتدُ على نحوٍ مثمرٍ، من هنا كان البحثُ عن بناء خطواتٍ وقواعدٍ جديدة لبناء علاقات سليمة خاليةٍ من التوترِ وتذويب الخلافات الهدامة بين الآباء وأبنائهم، وإن كان التغييرُ دائما ما يتصف بمزيدٍ من الصعوبة، ولكنه الطريقُ الأسرع إلى الشعورِ برضاءٍ أكبرٍ عن العلاقة، تكون فيها الحدودُ واضحة الملامحِ بين مكانة الآباء العالية والأبناء فلذات الأكباد الذين يسيرون على الأرض. للتوضيحِ والشرحِ كان اللقاءُ والدكتورة فاطمة الشناوي أستاذة الطب النفسي واستشاري العلاقات الأسرية.
أولا: تحدثوا مع بعضكم البعض
يقع الآباءُ والأبناءُ في أنماطِ اتصالِ لا تتناسب مع أعمارهم، فقد يُخطئ الأطفالُ اليافعين في التحدثِ ويتصرفُون كما لو كانوا أصغر سناً، خاصة في وقت الخلافاتِ، والآباء بدورهم ربما يخطؤون في التحدثِ مع هؤلاء الأبناءِ كما لو كانوا يتحدثون مع طفلٍ صغيرٍ، بحيث يملُون عليهم طلباتٍ غير مناسبة أو يقدموا نصيحةً بلا داعٍ، إذا حدث هذا بوسعِ الآباء والأبناء أن يرجعوا خطوةً إلى الخلفِ، ويتحولوا إلى الحديثِ ..مثل الكبارِ.
ثانيا: تحملوا مسؤولية العلاقة
كل من الآباء وأبنائهم اليافعين يتحملُ المسؤولية في تشكيل العلاقةِ والحفاظ عليها والتحكم فيها، ويشمل هذا المجهود البدء في الاتصالِ وتقديمِ الحلول الوسط والتفاوض، والتوصل إلى طرقٍ ممتعةٍ للتواصل بين الطرفين، ولكن قد تظهر مشاعر الغضب عندما يشعر الطفلُ أو أحد الآباء بأن عليه الانتظار كي يبذل الطرفُ الآخر جهداً في بناءِ العلاقةِ والحفاظِ عليها.
ثالثا: تعلموا الخلافَ البنّاء
يمكن أن تتكّون أساليبُ الخلافِ غير الصحيةِ أثناء الطفولة، ومن ثم الشعور بصعوبةِ تعديلها، وتشمل الأنماطَ الهدامةِ التي تؤثر بشكلٍ سلبي على العلاقة؛ المعاملات الصامتة والعدوان السلبي، والمشاجرات المصحوبة بالصراخِ ومشكلات التجاهلِ والشعور بالذنبِ.
ومن ثم فإنه على كل طرفٍ أن يتحمل المسؤولية عن العلاقة، بحيث يرى دورَه في دوراتِ الخلافِ، ويبدأ في ملاحظةِ كيف يتفاعل بشكلٍ مختلفٍ، فمن الممكن تغيير مسار الخلافِ، ولكن سوف يتعذر ذلك إذا لم يبذل الطرفان جهداً منسقاً لمعرفةِ السبب في استمرارِ حدوث الخلافات بينهما وأن يصمموا على تعلم أساليبٍ جديدةٍ للبقاء معا.
رابعا: احترموا الحدود بينكم
هناك حدود للطرفين، وربما يشعر الآباءُ والأبناءُ بالغضبِ عندما يتجاوز أحدهما حدود الآخر، ومن ثم يجب على الآباء أن يقرروا كيفية توصيلِ المعلومات لأبنائهم ومستوى الدعمِ الذي يرغبون في توفيره لهم.
كما يجب على الأبناءِ اليافعين أن يحددوا مستوى الخصوصية والاندماجِ الذي يطلبوه ويقبلوه من الآباء ،خاصة في عالم المهنةِ والعلاقاتِ وأسلوبِ الحياة والمال .
فإذا كان الآباء والأبناء يتطلعون إلى تحسينِ علاقةٍ متأزمةٍ، فعلى كل منهم أن يختبر مدى احترامِ الحدودِ بينهم .
خامسا: تقبلوا التعليق والنقد
تقوى العلاقات عندما يتقبل الطرفان التعليقَ بشأن شعورهما إزاء هذه العلاقة، والتي تشملُ على سبيل المثال أسلوب المحادثاتِ ونغمةِ الصوتِ ومدى الشعور بالراحة عند الحديث.
تقبل التعليق والتقييم هو حجرُ الزاويةِ في إدارة علاقة صحية، وهو ما يعني قبول مسؤولية الدور الذي يقومُ به الشخص في إيذاءِ أو إثارةِ غضبِ الشخص الآخر.
أنواع العلاقة بين الآباء والأبناء
العلاقة الآمنة: وهي أقوى أنواعِ العلاقاتِ بحيث يشعرُ الابن أنّه يعتمد على والديه، وأنّهم جاهزون دائماً لدعمهِ عند الحاجةِ، مما يشعرُه بالأمانِ والاستقرارِ النفسي.
العلاقةُ الحنونة: لأي سببٍ من الأسبابِ- السفر، الانشغال، الجهل بأسلوبِ التربية الأفضل-والنتيجة علاقةٌ غير آمنةٍ حيث يعلمُ الطفلُ أنّ اللجوءَ لوالده لن يجلب له الأمان، ممّا يدفعُه لتعلّمِ كيفية الاعتناءِ بنفسهِ.
العلاقة المتناقضة: وتعد صورةً أخرى من العلاقاتِ غير الآمنة، وفي هذه العلاقة لا يدرك الطفل، لماذا يتم تلبية حاجاته بالشكلِ الصحيحِ أحياناً ،ولا يتم ذلك في أحيانٍ أخرى؟!ما يدفعه للبحثِ وحده عن احتياجاتهِ.
العلاقة غير المُنظّمة: في هذه العلاقة لا يستطيع الابن التنبؤ بأفعالِ والديه، مراتٌ يؤيدون ما يفعل وما يقول ويختار، ومرات ثانية يرفضون ويعترضون على نفسِ ما وافقوا عليه وأيدوه من قبل.
خطوات مهمة لتدعيم علاقة الآباء بالأبناء
توفير الأمان اللازم للطفلِ وإشعارهِ بالدفء والحنانِ، مع تنظيمِ العاطفة ومراعاةِ تطورها وفقاً لنمو احتياجاتِ الطفل، ما يلعبُ دوراً كبيراً في تطوّر العلاقةِ الصحيّة بينهما.
كما يمثل التناغمُ والتفاهم والتفاعُل المُتبادل بين الأبناء والآباء، عاملا مُهماً في العلاقةِ بحيث يسبّب أيّ اختلافٍ أو تنافرٍ بين الطرفين اضطراباً وقلقاً.
تجنُّب التعامُل بعدوانيّة مع الطفل، ما يؤثّر على سلوكِ الطفل وطريقة تعامله، والحفاظ على علاقةٍ بعيدةٍ عن التأثر بالتوتر والضغوطات التي يواجهها الوالدان في حياتهم اليوميّة.
العمل على التواصل مع الأبناء؛ بالدخول في حياتهم وبناء اتصالاتٍ قويةٍ معهم، بجانب محاولة مسايرة التأقلم مع تطورات جاذبية العصر التكنولوجي ،وتقدم الأبناء في العمرِ ما يجعل شكل العلاقةِ والتعاطي يختلفُ.
كن معهم قلباً و قالباً ؛ عندما تكون معهم لا تنشغل بأي أمر آخر، كن مع أطفالك، وحاول أن تنزل إلى مستوى تفكيرهم وأن تخاطبهم بحسبِ عقولهم وعمرهم ودرجة استيعابهم.
خططا لقضاءِ وقتٍ ممتعٍ مفيدٍ
حيث يكون الوقتُ الذي تقضيه مركزاً ونوعياً، وعليكما أن تجعلانه روتيناً يومياً وليس محضِ صدفةٍ.
هيا حددا يوماً كيومِ الجمعة على سبيل المثال ،للذهابِ للغداء في مطعمٍ، أو للذهاب في رحلةٍ سيرا على الأقدام أو بالعربةِ، ولا مانع من اصطحابِ الابن معك للسؤالِ عن احد الأصدقاءِ المرضى أو الأقارب كبار السنِ.
من أهم مراحل صنع العلاقة الوثيقة بين الأبوين وأبنائهم، هي خلق بيئةٍ مريحة مليئةٍ بالاهتمام والرحمةِ والثقة؛ والتي تتمثلُ في العلاقة الصحية بين الأم والابن، ما ينعكسُ على الأطفالِ.
تربيةُ الأطفال وصنع علاقة وثيقة معهم يتطلب الكثيرَ من المثابرةِ، حيث أن هذا النوع من العلاقات يُصنع على المدى الطويل، لذلك يحتاجُ الكثير من الرويةِ والهدوءِ في التعاملِ والتعاطي مع الأبناء.