تلفزيون عدن وغورباتشوف.!

Monday 05 September 2022 9:06 am
تلفزيون عدن وغورباتشوف.!
----------
د.خالد عبد الكريم
أمس السبت أقيمت جنازة ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للإتحاد السوفياتي. في مقبرة نوفوديفيتشي في موسكو.
مراسم الدفن كانت بحضور كاهن من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبطابع شبه رسمي. أوصى جورباتشوف أن يدفن بجانب ضريح زوجته رايسا جورباتشوفا، تم له ذلك.
تعود بي الذاكرة الى مساء 25 ديسمبر 1991 عندما أعلن ، ميخائيل جورباتشوف  استقالته في خطاب وجهه إلى الشعب السوفيتي عبر التلفزيون الرسمي للاتحاد السوفيتي والذي كنا نستلم بثه مباشرة في تلفزيون عدن ونترجمه لنستفيد من أهم الأخبار التي ترد فيه . كانت الصدمة عندما أعلن أن منصب رئيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية قد تم إلغائه.
عقب خطابه ذاك ومن أحد أبواب الكرملين الذي لم يكن مضاء غادر غورباتشوف مبنى الكرملين. وفي السابعة والنصف مساء بتوقيت موسكو، تم إنزال علم الاتحاد السوفيتي عن مبنى الكرملين للمرة الأخيرة في التاريخ. كل ذلك صور في فيلم وثائق يعرضه التلفزيون السوفيتي مع تعليق بالغ التأثير.
 كنت يومها محررا للأخبار في تلفزيون عدن. كان التلفزيون في توأمة مع التلفزيون السوفيتي وعبر الخط المباشر الذي كان يصلنا حاملا تلك المستجدات. كان الفنيون يسجلون البث التلفزيوني السوفيتي، لفت نظرهم هذا الوثائقي الذي صور إنزال العلم السوفيتي من على أبراج الكرملين. 
أرسل الفنيون نسخة من الفيلم الوثائقي الى مدير التلفزيون حينها الأستاذ فضل مطلق رحمة الله عليه. بدوره أحال الفيلم الى الإدارة العامة للأخبار التي كان فيها فريقا مؤهلا أكاديميًا للترجمة وإعداد البرامج السياسية، الترجمة كانت للأخبار والبرامج سواء من البث الروسي أو بثCNN الأمريكية. كنت أترجم أحيانا الى جانب عملي محررا للأخبار. جرى تكليفنا بترجمة الفيلم الوثائقي أنا والأخ جمال الخضر يرعاه الله.
الفيلم الوثائقي كان هو الأول الذي يعلن نهاية الإتحاد السوفيتي ومصير جورباتشوف.
ترجمنا الوثائقي الذي روى تفاصيل اللحظات الأخيرة لآخر رئيس سوفيتي واللحظات الأخيرة في تاريخ دولة عظمى. احتوى التعليق الروسي على عبارات قوية مثل (انتهى الإتحاد السوفيتي. جورباتشوف لم يعد يستطيع تقرير مصير نفسه).
أنجزنا الترجمة التي كانت صادمة كونها تحمل خطاب غير معتاد. عارض البعض عرض الفيلم المترجم وارتى التريث. لكن عرضنا الأمر على قيادة التلفزيون وأتخذ القرار بعرض الفيلم. 
 أجريت عملية المونتاج والمكساج بعد أن قرأ الترجمة أحد المذيعين وعرض الوثائقي اليوم التالي وظل يعاد أكثر من مرة.  وهكذا حسم الرأي العام المحلي موقفه. بعد أن كان التشكيك والتجاذب سيد الموقف في زمن القناة الرسمية، وعدم تعدد المصادر كما هو عليه الحال الآن. 
تلفزيون عدن بشجاعة وحرفية إعلامية حينها أعلن عن انتهاء حقبة تاريخية عبر فيلم وثائقي من المصدر. ترجم وأعيد إنتاج هفي أستوديوهات القناة. كان ذلك قبل ثلاثين سنة.
أين نحن اليوم من تلك المهنية العالية.