د. فواز الحكمي يكتب:

غرباً ... شرقاً أو بين القطبين الجزائر أرث رياضي عربي

Monday 17 July 2023 4:50 pm
غرباً ... شرقاً أو بين القطبين الجزائر أرث رياضي عربي

د. فواز الحكمي

يمني سبورت :
----------

يرى البارون الفرنسي المؤسس  للألعاب الأولمبية الحديثة دي كوبيرتان ارتبابطا و ثيقا بين الفنون و الثقافة و الرياضة. كما أن كثير من الفلاسفة يرون فيها رسالة السلام العالمي المنشود حتى اليوم. فمنذ نشاة الألعاب الأولمبية الحديثة شهد هذا الارتباط تطورا إيجابيا متزايدا، وشهدت الدورة الأولمبية في مدينة ملبورن عام 1954 مولد أول معرض فني في إطار الدورة، وأضيفت بعد ذلك فقرة إلى الميثاق الأولمبي تلزم المنظمات للدورات الأولمبية بإدراج برنامج ثقافي ضمن أنشطة الدورة. 
اليوم أصبحت دول العالم تتسابق لاستضافة الألعاب الأولمبية لإبراز ثقافة و فنون شعوبها. 
الرياضة عبر مهرجان الألعاب الأولمبية أصبحت طريقآ لمهرجان الثقافات و الفنون المتعددة. فحفلات افتتاح الألعاب الأولمبية  تنقل لجميع أنحاء العالم و يشاهدها أكثر من ثلثي سكان العالم، باعتبارها مناسبة فريدة للتعرف على ثقافات و فنون شعوب العالم. العرب قدموا العديد من اللوحات الثقافية و الفنية عبر دورات الألعاب الأولمبية على المستوى الدولي و الأقليمي. 
شرقاً الخليج العربي وغرباً المحيط الهادي و ما بين القطبين الجزائز جوهرة البحر المتوسط بشواطئها السحرية الممتدة لأكثر من 1200 كيلومتر، جسدت قصة الحرب والسلم في لوحات حفل افتتاح دورة الألعاب العربية الخامسة عشر، حيث أبرزت التاريخ العريق للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في أجواء رياضية فريدة احتضنت الرياضين العرب لتتميز الجزائر بالمبادرة في تنظيم  هذة التظاهرة الرياضية العربية للمرة الثانية في تاريخها. العاصمة و وهران و تيبازة و قسنطينة و عنابة تزينت  لأكثر من 3500 رياضي يمثلون 22 دولة عربية وشاركوا في 23 رياضة أولمبية وبارالمبية  وتنافسوا على أكثر من 817 ميدالية في تقليد أولمبي  عربي. لوحات حفل الافتتاح وقفت عند التراث الجزائري المصنف دولياً والمتميز بتنوعة الحضاري العربي والرماني و الامازيغي و الفينيقي والبيزانطي. حفل بعنوان "صميم" جاء في صميم الثقافة الجزائرية وجسد الأرث العميق للتراث الجزائري بلوحات رائعة للعادات والتقاليد والمأكولات و المخطوطات والمنحوتات الأثرية وجسدت أرض استاد "مركب 5 جويلية الرياضي" لوحات مزخرفة بنقوش أثرية وبعروض جمالية بملابس تقليدية من مختلف الولايات الجزائرية وأهازيج شعبية رسمت أجمل اللوحات الفولكلورية الفنية احتفاء بالرياضيين العرب في يوم الجزائر الوطني.
إرث الألعاب الرياضية العربية لم ينته بانتهاء حفل الافتتاح وإنما عاش الرياضيون العرب صدمة حضارية بجمال المدن والولايات الجزائرية في كل رحلة منافسة بين مقرات الإقامة وميادين المنافسة فجمال البحر والشواطئ العذراء وخضرة الجبال والسهول في كل مكان تجعل منها تجربة فريدة للرياضيين العرب. أجمل لوحات حفل الافتتاح التي مزجت الفن بالعلم وذكرت مآثر علماء الأمة العربية والإسلامية جسدت على أرض الواقع   بمناشط ثقافية وعلمية مصاحبة  لدورة الألعاب الرياضية العربية الخامسة عشر بالإضافة لتفاعل الاجتماعى بين الشعب الجزائري الكريم المضياف والرياضيين العرب، والذي ترك بصمة محفزة في نفوس كثير من أفراد المجتمع الجزائري وأبرز شغف المجتمع الجزائري بالرياضة. صعود الرياضيين العرب لمنصات التتويج كان بمثابة رسالة  فخر وولاء للأوطان وتفاعل الجمهور الحاضر للمنافسات من كافة شعوب الوطن العربي  المتابعة لمنافسات الألعاب الرياضية حضورياً أو عبر الوسائل الإعلامية و وسائل التواصل الأجتماعي. 
ورثت الثقافة العربية  غصن الزيتون ليصبح رمز الألعاب الأوليمبية و السلام الممتد عبر العصور. شجرة الزيتون المنتشرة في أرض الجزائر كانت دعوة سلام و تعايش وجسدها الفكر الأولمبي بعقد غصن الزيتون كرمز السلام العالمي و رابط ثقافي للشرق بالغرب. فكما أنشد في حفل الافتتاح غرباً ... شرقاً أو بين القطبين استمر هذا الربط الثقافي حاضر في أعين الرياضيين في أرض الجزائر و محوره شجرة من أرض العرب و المسلمين التاريخية فلسطين. فالقران الكريم أكد مصدر هذة الشجرة في الآية 35 من سورة النور بقول الله عز و جل (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَولَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ). فأقدم دلائل موطن شجرة الزيتون هو منطقة جبال نابلس في فلسطين وصولاً إلى سلسلة الجبال الساحلية السورية "مملكة إبلا" . المسلمين و العرب دعاة سلام عبر التاريخ وهذا جعل الألعاب الأوليمبية ونموذجها المصغر "دورة الألعاب الرياضية العربية" جوهرة من الجواهر في ثقافة العرب و المسلمين. كتب رسول الإسلام دعوة سلام عربي، يخاطب الملوك والروساء بألقابهم ويعترف بمكانتهم ويقرر أن سلطانهم في ظل الإسلام "السلام على من اتبع الهدى" و "أسلم تسلم ". النسيج الاجتماعي في أرض الزيتون العربية دليل تاريخي على تعايش العرب مع ثقافات و ديانات مختلفة وهو ما جسدته دورة الألعاب الرياضية العربية في الجزائرة.
حفل الختام إمتداد للنجاح فوق العادي للجزائر واتحاد اللجان الأولمبية العربية الوطنية في تنظيم دورة رياضية في وقت قياسي لم تشهده أية دورة رياضية في العالم يستحق أن نقف له احتراما وتقديراً ونهتف بصوت واحد "الجزائر أرث رياضي عربي"
………. 
عضو الأمانة العامة للدورة – أستاد الإدراة والاقتصاد الرياضي المساعد بجامعة الملك سعود بالرياض