العالمي وسيم القعر... ناي المنتخب وسيفه

Wednesday 14 May 2025 6:49 pm
العالمي وسيم القعر... ناي المنتخب وسيفه
يمني سبورت
----------

 

أ.د مهدي دبان

لا يمكن الحديث عن الرياضة اليمنية دون التوقف طويلا عند محافظة أبين، تلك الرقعة الخضراء التي لا تُثمر زرعا فقط، بل تُنبت مواهب رياضية نادرة، حتى استحقت عن جدارة لقب "برازيل اليمن".
وقد يبدو التشبيه بالبرازيل رياضيا كبيرا، لكن من أطلقه كان يملك عين الخبير، وعقل العاشق المتابع لشؤون الكرة محليا وعالميا، ليصف أبين بأنها منجم الجواهر ومرتع المواهب الخصيب التي تؤتي أُكلها كل حين ...

من بين خضرة قرية المسيمير، وتحت ظلال الأشجار الوارفة ووسط الحقول الغنّاء، وُلد نجم مختلف وثمرة نادرة، وسيم القعر، شاب أسمر جميل، ملامحه هادئة، لكن قدماه تتحدثان لغة سحرية خاصة.
منذ نعومة أظافره، ارتبط بالكرة بشكل روحي، كأنها جزء من كيانه، يعانقها كما يعانق العاشق معشوقته، يتراقص بها بخفة وسلاسة ... قدمه اليسرى كانت مختلفة، ريشة رسام، ترسم كل ما يُدهش، وحركته خفة نسيم عليل ورشاقة غزال حتى ليخيل لمن يراه أنه شبيه الريح ...

ينتمي وسيم لأسرة متواضعة وبسيطة، تعيش على الزراعة وتتنفس البساطة والفن والسمر أمضى طفولته بين الحقول والكرة ووجد فيها ملاذا وسحر لا يقاوم فتعلق قلبها بها وعشقها حد الهيام ، لكن أحلامه كانت أبعد من حدود قريته.

تدرج في فئات نادي حسان العريق، وسرعان ما جذب أنظار الخبير الألماني سبيتلر، الذي اختاره ضمن تشكيلة منتخب الأمل اليمني، ذلك الفريق الذي أعاد الثقة والأمل لجماهير الكرة اليمنية في مطلع الألفية.
في عام 2003 تحت قيادة الأمين السنيني، كان الحدث الأكبر، حين شارك وسيم القعر ضمن صفوف المنتخب الوطني للناشئين في نهائيات كأس العالم بفنلندا، تألق بشكل لافت في الجبهة اليسرى، يهاجم كعازف ناي ينثر أجمل الألحان، ويدافع كسيف مشرع.

لمساته توحي بموهبة استثنائية، فخطف الأضواء، ولم يكن غريبا أن تتناقل الصحافة العالمية أخباره، وتصل موهبته إلى أسماع الأسطورة البرازيلية رونالدينيو، الذي علّق قائلًا:
"يا إلهي، هناك لاعب يمني موهوب، يحمل الرقم 14، رشيق، نحيل، جميل... ينثر السحر!
شهادة نادرة، من كبير السحرة الذي علمهم السحر، أهدى اعترافه لساحرٍ يمني صغير، جاب ملاعب العالم حاملاً معه سحره وفنه الجميل.

اليوم هناك أسئلة تفرض نفسها:
أين وسيم القعر؟
ومتى تستثمر الكرة اليمنية هذه الموهبة، كخبرة ناضجة تستحق أن تكون ضمن طاقم المنتخبات الوطنية، سواء مدربًا أو مساعدًا فنيًا أو إداريا؟
فمن غير المنصف أن تهمل الطاقات التي صنعت الفرح، ومن الحكمة أن نستفيد من عقليات عاصرت المجد وأدركت دهاليز اللعبة من الداخل.

إن الساحر العالمي القعر، بما يملك من خبرة ميدانية، وحس فني، وقراءة ذكية للمباريات، يمثل رصيدا لا يجب التفريط فيه، بل يجب أن يستثمر ضمن مشروع طويل لبناء كرة يمنية حديثة ترتكز على أبنائها الموهوبين.

القعر... لم يكن مجرد لاعب عابر في سجل الكرة اليمنية، بل كان وما زال علامة فارقة ورمزا حيا لموهبة يمنية أصيلة.

فهل نرى قريبًا من يمنح لهذا النجم مقعدا يليق به في خارطة بناء مستقبل الكرة اليمنية؟
الجواب بيد أصحاب القرار، والحلم باق في قلوب العاشقين.