سامي الكاف
------------------
المسلمون ينزحون بالآلاف إلى الدول العلمانية .
هذا هو [عنوان المشهد العريض] الآن المسيطر على وسائل الإعلام في العالم.
كان المشهد التراجيدي على النحو التالي: أمس الاثنين وصلت قطارات تحمل مئات المهاجرين الى النمسا وألمانيا قادمة من المجر وذلك بعدما ظلوا عالقين لساعات عند الحدود المجرية-النمساوية. وبعد وصول هؤلاء المهاجرين، وغالبيتهم ليس لديه تأشيرة، إلى محطة ويستبانهوف، غادر قسم منهم على متن قطار الى مدينة سالزبورغ النمساوية في حين اكمل القسم الآخر طريقه بالقطار الى ميونيخ في جنوب ألمانيا، بحسب مراسل وكالة فرانس برس.
كانت صور هؤلاء في وسائل الإعلام محزنة ومأساوية على نحو مؤثر يفلق الحجر مما حدث ويحدث ؛ مات قبلهم كثيرون و هم يحاولون الوصول إلى ألمانيا و دول أخرى.
تظاهر الآلاف في فيينا، الاثنين، تضامناً مع هؤلاء اللاجئين وتنديداً بالمعاملة السيئة التي يتعرضون لها، وذلك بعيد أيام على اكتشاف شاحنة بداخلها 71 جثة لمهاجرين غير شرعيين متروكة على طريق سريع في شرق البلاد قرب الحدود مع المجر.
قال متحدث باسم الشرطة النمساوية إنّ الذين قدموا بالفعل [طلبات لجوء] في المجر سيسمح لهم بالدخول - لكن ضغوط الأعداد استمرت وسمح للقطارات بالتحرك.
المسلمون الآن ينزحون بالآلاف إلى الدول العلمانية، و هذا أمر لم يعد تجاهله ممكناً. غير أن (الحقيقة) التي لم يعد تجاهلها ممكناً حقاً تتجلى على النحو التالي :
الدول العلمانية التي عادة ما يصفها ، الكثير من المسلمين ، و بغباء حاقد ، بالدول الكافرة ، يقوم هؤلاء المسلمون في بلدانهم ، بدعوة الله ، في مساجدهم ، في كل صلاة من صلواتهم، أن ينصرهم على هؤلاء الكفار ، على الرغم من أن هذه الدول [تدير شئونها بقوانين مدنية] و يحتكم إليها كل الناس ، و تحت طائلتها جميعاً يستوون بغض النظر عن دياناتهم ، و أجناسهم ، و ألوانهم ، و أعراقهم.
ثمة (تناقض مريع) هنا يحدث في سياق هذا المشهد الإنساني غير السوي . لكن السؤال هو : لماذا يحدث هذا ؟
لماذا لا ينزحون، هؤلاء المسلمون ، إلى السعودية المسلمة مثلاً ، و ليس إلى ألمانيا العلمانية ؟
هل رأى أحدكم، واحداً وحسب ، يقدم طلب لجوء إنساني إلى السعودية بدلاً من ألمانيا ؟
ماذا يوجد في دستور وقوانين ألمانيا و لا يوجد في دستور وقوانين السعودية ؟
أليس بيت الله في السعودية ؟
أنظروا إلى دساتير الدول المسلمة و قوانينها و إلى دساتير الدول العلمانية وقوانينها ؛ و قارنوا : تحرروا من خوفكم و تفكّروا. يقول دوايت أيزنهاور "العالم يتغير، والأفكار التي كانت في وقت ما جيّدة ليست دوماً جيدة .." لكن ما من أحد يريد أن يلقي حجراً في مياه الدساتير الراكدة التي يهرب المسلمون من دولها إلى دول أخرى كما هو جلي بعاليه.
بعض اللاجئين اليمنيين في الدول العلمانية، على سبيل المثال ، يتحدثون عن العلمانية كبيئة مفرّخة للتطرف الديني ، و هم في الوقت ذاته ينسون أنهم يعيشون في دولها ، و يمارسون معتقداتهم الدينية بكل حرية و يتعالجون فيها أيضاً ، و يعملون و يدرسون.
ببساطة : يعيشون حياتهم الإنسانية و الفكرية و الدينية على نحو طبيعي و كما ينبغي. لا يحدث هذا في اليمن بطبيعة الحال. و لا حتى في السعودية . هذا أمر لا جدال فيه.
ما يحدث في اليمن ببساطة هو أن معظم القوى الآن في اليمن تحارب باسم الدين و تحت يافطته العريضة تقاتل، في مجتمع كل مواطنيه من المسلمين، و كل قوة تستخدم الدين ضد القوة الأخرى و على نحو يتوافق و أفكارها، و من خلال استخدامها المساجد بطبيعة الحال تذهب علناً لتكفّر الأخرى: العدو؛ والعدو هنا مسلم يُضاف إلى اللائحة التي يقع فيها الكفار المفترضون!
إنّ المسلمين الذين نزحوا بالآلاف إلى الدول العلمانية ، لا بد و بينهم يمنيون سوف ينضمون إلى من سبقهم من اليمنيين الذين نزحوا إلى هناك ؛ و إذا ما اتيحت الفرصة لآخرين هنا في اليمن لينزحوا إلى تلك الدول العلمانية لسوف نجدهم ضعف الآلاف التي شاهدناها في وسائل الإعلام تنزح مهرولة إلى الدول العلمانية.