أ.د مهدي دبان
من شاهد المباراة النهائية بين إنتر ميلان الإيطالي وباريس سان جيرمان الفرنسي، لم يكن بحاجة لكثير من الشرح ليُدرك أن الفريق الفرنسي استحق الفوز وبجدارة. لقد تألق لاعبو باريس في كل تفاصيل اللعبة؛ من الانضباط التكتيكي العالي، إلى الضغط المتواصل الذي خنق محاولات الطليان في مهدها، إلى المهارات الفنية التي زادت من جمالية الأداء، وحتى القوة البدنية التي طالما عُرف بها الإنتر، تم تحييدها ببراعة.
الباريسيون لم يكتفوا بالنتيجة، بل قدموا درسا كرويا حيا، أقرب إلى لوحة فنية مرسومة بدقة أنامل رسام إسباني، لا يُخطئ الزوايا ولا يُهدر اللون. لويس إنريكي، هذا المهندس العاشق للتيكي تاكا، نقل التجربة الكتالونية بكل أناقتها إلى باريس، كما فعل بيب جوارديولا سابقا مع بايرن ميونخ ومانشستر سيتي. إنها تجربة لا تحتاج فقط للوقت والإيمان، بل تحتاج للتمويل الذكي والدعم الكامل، لأنها في نهاية المطاف، الطريقة الوحيدة التي تُقنع الجميع بجمالها، وتستحق المشاهدة.
نعم، قد تخفق أحيانا، ولكن حين تفوز، فإنها تقدّم أروع وجبة كروية للمشاهد. وجبة تجعلك تُصفق حتى لو كنت من جمهور الفريق الخاسر. تجعل الخصم يُقر بالجمال، ويخوض غمار الخسارة بابتسامة احترام. تلك هي التيكي تاكا، طريقة اللعب التي لا تكتفي بالسيطرة والتدوير والوصول إلى المرمى بتأن وإبداع، بل تتعدى ذلك إلى ما يشبه التنويم المغناطيسي.. إنها تلعب على أعصاب الخصم، تُخرج جهازه العصبي من ثباته، وتكسر نسقه وتحوله إلى متفرج داخل الملعب.
التيكي تاكا ليست مجرد أسلوب لعب، بل فلسفة كاملة، تُؤمن أن الفوز الحقيقي لا يكون إلا حين يُقترن بالمتعة والإقناع. هي الطريقة الوحيدة التي تجمع بين النتيجة، والروح، والفن.. وإذا ما وجدت من يُجيد تنفيذها ويؤمن بها، فإنها لا تُسحر الجماهير فحسب، بل تجعل من الهزيمة تجربة جمالية.
في زمن أصبحت فيه الكرة تركض أكثر مما تُفكر، تعود التيكي تاكا لتُثبت أن الفكر حين يُزاحم العضلات، ينتصر. إنها ليست مجرد تمريرات قصيرة، بل سرد بصري لفصول قصة جميلة. فحين تفوز هذه الطريقة، لا أحد يخسر فعلاً. الكل يربح.. حتى الخاسر.