أنتَ مش إنتَ ....

Monday 30 November -1 12:00 am
----------

 قصة قصيرة 
كان الوقت قد جاوز منتصف الليل.
شهقت الأضواء وتوقف هدير المكيفات. وساد صمت رهيب .. هدوء قاتل. يلف الأنحاء. تكاد تسمع خلاله دبيب النمل عند سابع جار.
.
وسُـمِـعَ زعيق أبو سعيد في إبنه :
( فين رايح آخر الليل ياصايع يابن الصايع )
أجاب سعيد : ( يابه بجلس مع العيال أصحابي جنب الباب لما تلصي الكهرباء )
قال أبو سعيد : ( أيوه .. أصحابك. ذونا تسميهم أصحاب. طبعاً أصحاب .. من شاكلتك. إلعن أبو شكلك )
ويبدو أن أبا سعيد قد أمسك بخناق إبنه. عندما تبادر صراخ أم سعيد:
( يارجال حرام عليك.. خاف الله .. خلي للوليد حاله.. نكَّدت عليه .. الله ينكد عليك ).
وظل يدفع سعيد حتى خرجا من الباب الخلفي للمنزل.
حيث يقع هناك زقاق ( زُغـط ) طويل بين المنازل.
وهناك كان مشهداً مصغراً ليوم الحشر. إذ كان ينحشر بين الظلام الدامس لفيف من الجيران. يختلط فيها تلاسن حاد وأصوات عِراك عنيف.
وسامية تمسك برقبة أختها أسماء صارخة فيها : ( والله لاموتك. ياشيخة .. من يوم ماتطلقتي. وعيالك جابوا لي الصفراء. ووجع القلب.)
وفيما أبو سعيد مُطبِق على رقبة إبنه وسامية على رقبة أختها. خرج محمد حنيف يتكلم بهدوء وهو يلف الفوطة على خصره. ولحق به جاره خالد باغوزة من الخلف ويصرخ فيه :
( وااهـ كنك ياحنيف ياهندي.)
وأمسك برقبته صائحاً :
( تخرج لابس صارون وبس. تستعرض عضلاتك قدام العوائل. تحسب نفسك شارون خان وألا واهـ. ).
ويستعطفه محمد حنيف : ( حرام عليك. والله ماأقصد حاجة ).
ويضيف حنيف ( ليش دائماً. تخنقني من وراءي. تعال قدامي. وأخنقني من قدامي ).
وتقطعهما أُم محمد تنادي بأعلى صوتها: ( ياجيران حرام عليكم. نحن جيران. ماعاد حد يتحمّل حد... . والله حرام عليكم. )
ويرد عليها أبو سعيد : مش شغلك يم محمد. هذا إبني وأنا حُر باذبحه بقتله.
وتتدخل أم سعيد ممسكة بالرقبة وهي تصيح : ( الله يحرقك. حرّقت قلب الجاهل. مافيش بقلبك رحمة.) .. وتشد يديها في الخناق. فإذا بها تسمع صراخ أم محمد وقد كان صوتها متحشرجاً.
( يام سعيد. خنقتيني. إنتي ماسكة رقبتي. )
وتفك أم سعيد يدها من رقبة أم محمد وهي تقول : ( سامحيني. يم محمد الدنيا غُدرة. )
وتقول لها أم محمد حانقة: ( خافي الله ياشيخة. ماعرفتيش رقبتي من رقبة فرس النهر حقك ياظالمة. ؟؟؟)
وأنجرفت الحارة بالفوضى وزاد الطين بلة خروج أبو أحمد الأعمى وبيده عصاه الغليظة التي يدق بها على الرصيف وهو يسب ويشتم ويهدّد بأعلى صوته :
( وأنا باني .ـك عاركم ياكلاب. لا الحكومة ولا أنتوا خليتونا نرقد. بانيك عاركم واحد واحد. . ياكلاب. ) ويدق الرصيف بعصاه.
فيما تجلجل سامية : ( ياعالم أشهدوا. ياخلق الله يامسلمين. هذه الحُرمة بغرن بي... خلّت قلبي كُـبَّة. عيالها لاعبين عليا وهي كركرة وضحك طول اليوم بالواتسب. ).
وتضيّق على أختها الخناق.
وغير بعيد منها يقول محمد حنيف : ( ياخالد فك لي. أنا خرجت مستعجل. علشان أفارع مالحقتش ألبس الشميز. )
ويطوّق خالد على رقبته بقوة غير عابئٍ بتوسلاته قائلاً :
( أعرفك يامحمد حنيف شطّاح مدّاح سدّاح تحسب نفسك جون ترافولتا قاتل قلوب العذارى. مصلّح نفسك شاشي كابور. ).
ويتعالى خبط أبو أحمد بعصاه قائلاً :
( باني.ـك عاركم ياكلاب. لا الحكومة ولا أنتوا خليتونا نرقد. بانيك عاركم واحد واحد. ياكلاب. باوري أبتكم. ).
ويختلط الحابل بالنابل وأزداد الهرج والمرج وأشتد العراك. وتشابكت الأيدي وتداخلت الرقاب. .
وتصرخ أم محمد : فُكّي رقبتي ياسامية.
وتقول سامية : سامحيني أحسبك أسماء فين هربت عليا الكلبة. طحست عليا رقبتها من العرق والرشح.
ومحمد حنيف يصيح :
( ياعم سعيد فكَ رقبتي خنقتنا باموت. أنا محمد حنيف أنا مش إبنك سعيد ).
ويحتد غضب سامية وتقول : ياخالد يـاكلـــب تحلق بي وتخنقني برقبتي ياحقير.
ويفكّ خالد رقبتها هارباً معتذراً : ( والله فكرت إنك محمد حنيف. أنا آسف بجد ) .
قالت له : ( مسامح ياشيخ. روح )
قال خالد : ( ماأحسن قلبك ). ومضى يبحث عن محمد حنيف.
وفيما ظلت الأحداث الدراماتيكية تتصاعد لتصل إلى ذروتها.
فجأة حدث إنفراج حين شعت الأضواء وهدرت المكيفات. ويبدأ فحيح المراوح وأزيز الثلاجات. يصل إلى مسامعهم
ويفك كلٍ منهم رقبة الآخر.
وتغّير الوضع بطريقة سحرية عجيبة. وأرتسمت على الوجوه إبتسامات عريضة. وقال سعيد لإبنه : روح ياسعيد حبيبي عند أصحابك بس لاتتأخر.
قال سعيد : لا يابه. مادام لصت بادخل أراجع.
قالت أم سعيد : الله يخليكم لي. أدخلوا أصل إنته مش إنت والكرهبا طافي.
ونادت سامية : ياأسماء فينك. فين عيالك حبايب قلبي دخليهم باعشيهم مساكين عادهم بلا عشاء.
قالت أم محمد : الله يرضى عليك ياسامية... أصلاً. إنتي مش إنتي والكهربا طافي.
ودار همس بين سامية وأم محمد حين قالت لها : خنقك خالد بقوة.
قالت سامية : مسكين الله حتى الخنقة حقه حنينة.
قالت أم محمد : آإهـ منكم يالمطلقات ... ربنا يجيب لك اللي يخنقك.
وكان أبو أحمد الأعمى لايزال يضرب الأرض بعصاه ولايزال يهدد :
باني.ـك عاركم ياكلاب. لا الحكومة ولا أنتوا خليتونا نرقد. بانيك عاركم واحد واحد. ياكلاب. ويدق الرصيف بعصاه.
فمسكه محمد حنيف من يده وقال له :
( خلاص ياعم أحمد الكهرباء لصت. )
قال العم : ( صحيح لصت الكهربا. خلاص مابانيك عاركم. أصلاً أنت مش إنت والكهرباء طافي.)
وجاء خالد باغوزة يريد أن يقبّل رأس محمد حنيف لكن محمد خاف منه في البدء قائلا: ( خلاص. ياخالد والله ماأخرج إلا لما ألبس شمير ).
فال خالد : ( لا تلبس الدنيا حر. بس سامحنا ).
قال محمد حنيف : ( يارجال عادي. أنت مش إنت والكهرباء طافي.).
وسأل العم أحمد خالداً :
( ويش قلت لسامية. لما أعتذرت لها ؛
قال خالد ( ماقلت شي. سامحتني وقلت لها ما أحسن قلبك ).
وضحك العم أحمد : ( آآهـ ياخبيث. أنت تقصد قلبها. ولا قلبها. )
فضحك محمد حنيف وقال : ( هاااه .. ياخالد عامل نفسك أميتا باتشن وتجي عليا )
فقاطعه خالد : ( يا محمد حنيف ،. إنت مش إنت والكهربا طافي. ).
......................
نشرتها بالفيس بوك مضطراً. لحين إصلاح أوضاع صحيفة 14 أكتوبر.