ثمة من يدعو الآن الى تأسيس مجلس عسكري في الجنوب العربي - ما زال هؤلاء يعتقدون بأنهم غير يمنيين - للمضي في تحقيق الأهداف التي يسعون الى تحقيقها و لم تتحقق بعد.
حسناً .. هل يتذكر أحدكم ما هي الأهداف التي تم تحقيقها الى الآن؟
ان هذا المجلس العسكري من وجهة نظرهم هو الحل المناسب الذي سيعوّض الفشل الذي تم جنيه من تحوّل المجلس الانتقالي الجنوبي من كيان جامع لكل الأطياف السياسية في المشهد السياسي في جنوب اليمن الى كيان سياسي ضمن مكونات سياسية أخرى في المشهد ذاته.
لنتذكر ان المجلس الانتقالي الجنوبي لم يقم في تأسيسه ككيان سياسي جامع لكل الأطياف السياسية، في الواقع قام على أساس اقصاء الآخر، بل و تحول من كيان سياسي جامع، كفكرة، الى مجلس انتقالي لادارة دولة في مخيلته، مُعلناً في الوقت ذاته انه يقف بكل وضوح الى جانب دول التحالف العربي وتحقيق أهداف هذا التحالف، و مع ذلك أعطى لنفسه مشروعية، يقوم بها و من خلالها، كبديل لسلطة شرعية في إدارة الدولة، السلطة الشرعية ذاتها التي أتى التحالف العربي من أجل استعادتها و استعادة الدولة التي تم اختطافها بإنقلاب عسكري من قبل مليشيات الحوثيين وصالح في 21 سبتمبر 2014، و كان ظهور المجلس الانتقالي الجنوبي الى العلن، في الأساس، رد فعل مباشر لإقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي من منصبه من قبل رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي في 27 ابريل 2017م.
و التلويح الآن بالفشل السياسي من خلال إيراد مثال المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقوم على إقصاء الآخرين، كمبرر لتأسيس مجلس عسكري، أمر يزيد من تعقيد المشهد فوق ما هو معقّد و منقسم بعضه على بعض؛ اذ كيف يستوي الدعوة إلى تأسيس مجلس عسكري كحل بديل في ظل الاقرار بأن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يقم الا وفق اقصاء الآخر؟
حسناً .. من الذي سيؤسس المجلس العسكري و هل يمتلك مشروعية تأسيسه؟ و لأي هدف أو أهداف؟، و قبل ذلك على أي أسس و معايير سيتم تأسيسه و الساحة كلها ما زالت غارقة في عبثية مستمرة من التناقضات و تقوم على إقصاء الآخر؟، هذا إذا افترضنا جدلاً أن هذا هو الحل المناسب الآن؟
كيف يمكن قراءة ذلك من قبل دول التحالف العربي التي حددت مواقفها الداعمة لاستعادة شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي و وحدة أراضي الجمهورية اليمنية مستندة في ذلك إلى المرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية و مخرجات الحوار الوطني و قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216؟!
و مع ذلك، و رغم كل ما تقدم، أعتقد ان المجلس الانتقالي الجنوبي ما زال بوسعه اعادة قراءة المشهد السياسي بكل تفاصيله و تعرجاته و تعقيداته، ففي صفوفه ثمة كفاءات و أسماء مقتدرة و خبرات متنوعة لا يمكن لها أن تستمر في ما هي فيه الى ما لا نهاية، و بالتالي يستطيع أن يثبت انه قادر على تقديم صورة جديدة، جادة، لتدارك أخطائه لاعادة ترتيب وضعه بطريقة تؤكد فهمه للأحداث بشكل صحيح مُستلهماً من التجارب التي مرّ بها، و من التجارب المشابهة له التي مرّ بها الآخرون على مستوى المنطقة و العالم، و من مواقف دول التحالف العربي نفسها التي يقول هو انه متحالف معها و مع مواقفها، و مواقف هذه الدول تتسق مع مواقف دول أكبر منها حددت هي الأخرى مواقفها بوضوح؛ و عندما تكون على هذا المستوى من الفهم لكل هذه الأحداث الكبيرة فإن مشروعك يتعين له أن يكون كبيراً و مُتكيّفاً مع مشاريع الكبار..!