اثر الأحداث الهيستيرية الدامية التي شهدتها مدينة عدن في يناير 1986، تلقيت دعوات ونصائح بمغادرة البلد إلى بعض الأرجاء في بلاد الله الواسعة، في ظل عروض بعضها يتصف بالمغري أو شديد الاغراء للعمل والاقامة.
وكان جميع الناصحين ومانحي العروض يلحون عليَّ بشدة لقبولها، مؤكدين لي بأن السيء الذي بدا في تلك الأحداث يثير القلق حقاً ولكن الأسوأ لم يظهر بعد للعيان، وانه سيكون أفدح ألف مرة مما بدا حينها.
تعاملت حينها مع كل تلك النصائح والعروض بالاستهتار، وأعرضت عنها تماماً، مؤكداً لنفسي قبل الآخرين أن تلك الأحداث هي بلا أدنى شك آخر الأحداث أو آخر الأحزان. ولم أكن أدري من أين أستمد ثقتي بصحة هذا التأكيد أو تلك القناعة!
واستمرت الأيام بالتواتر، وأستمرت الأحداث بالتوالي، وكان الجديد منها دائماً أقبح وأفدح بالفعل من قديمها. وفي كل مرة كنت أتذكر نصح الناصحين وعروضهم ودعواتهم التي ظل بعضها يتكرر بل ويتحسن أحياناً، غير أنني في المقابل ظللت وبكل بلاهة متخيلة أعيد على نفسي وعلى الجميع الاسطوانة المشروخة نفسها: انها آخر الأحزان!
في مسار الحياة الآدمية تمر على المرء أحداث ووقائع وأزمات تدعوه الى التأمل والدرس والافادة، وبالتالي الخروج منها بتجارب تؤهله لاقتناص فرص ذهبية لتحسين خط مساره في العلم والعمل والمعيشة.
غير أن كثيراً من الناس -وأنا للأسف أحدهم- لا يستفيد مما يمر به من هذه الأحداث وتلك الأزمات، ولا يرعوي أو يعيد حساباته أو رسم خط سيره، وكأنّ له ذاكرة الذبابة وحماقة الفراشة في آن!
ولعلّ أكثر ما يدعو المرء إلى الندم الشديد طوال حياته هو اضاعته فرصة يمكن أن توصف بالذهبية، أي أنها فرصة لا يمكن تعويضها بسهولة، بل ربما لا يمكن تكرارها البتة بقية العمر، فما بالك لو لم تكن فرصة واحدة فقط، وانما عدة فرص.. ضاعت كلها واحدةً اثر الأخرى!
لذا يمكن الاعتقاد بأن أغلى نصيحة يمكن أن يُهديها المرء لأي شاب في هذا البلد الذي لم يعد واعداً بمستقبل ولا مُبشراً بغدٍ أفضل، أن يغادره فوراً للبحث عن أية فرصة خارجه، شريطة أن يكون حاصلاً على مؤهل أو مكتسباً لمهنة أو حرفة مطلوبة في سوق العمل خارج هذي البلاد.
--------------------------------------
( مقالي في موقع : يمن مونيتور )