في غمرة الأحداث المأساوية التي تعصف ببلدنا هذه الأيام ، والأجواء الملبدة بغيوم الخطر المحدق في كل ركن وزاوية في هذا الوطن المثقل بالكثير من الأوجاع والمحن، بات الحديث عن الرياضة "ترفاً" ومناقشة صور النجاح والفشل "هامشاً" غير ذات قيمة، إذ أن الوضع العام في البلد لا يستسيغ الخوض في مثل هكذا نقاشات أو تناولات على الأقل في الوقت الحالي، ولا يقبل البتة الدوران في حلقاتها المفرغة، فمصيبة البلاد أعظم من أخفاق منتخب !! وكارثة التصدعات الحاصلة اليوم في الكيان اليمني أكبر من الخسارة في منافسة رياضية !؟
كنت قد قررت سلفا عدم الخوض في أخفاق منتخباتنا في الأسياد الأسيوي الأخير وملايين الريالات التي أهدرت هناك دونما فائدة ،إلا بعد أن يطوي العرس الأسيوي صفحات أيامه كاملة، ولتزامن ذلك مع إجازة العيد وما تلاها من أحداث مؤسفة على الصعيد الوطني كتلك التي حدثت يوم أول أمس الخميس وذهاب العشرات من الضحايا في صنعاء وحضرموت دون جريرة ، قد شكل حاجزا منيعا أمامي وحال دون القدرة على الكتابة وشعرت بالعجز عن الإمساك بناصية الكلام المفيد كون المصيبة أعظم والخطب الذي ينتظر البلاد لا سمح الله "جلل".
لربما يجد الغالبية من الناس في الرياضة "مساحة" للخروج من وجع السياسة وآلام السنين، ومكانا للترويح عن النفس وطرد الأنين الجاثم على الصدور منذ زمن بعيد، إلا أن الحديث عنها أي "الرياضة" والالتجاء إلى ميادينها والنقاش في منافساتها في مثل هذه الظروف يعد أمرا مقززاً وحالة غير مقبولة على اعتبار أن حمامات الدم المراق في الشوارع وأشلاء الجثث المتطايرة هنا وهناك قد طغت على ما سواها من أحداث وأخبار وباتت معها نفوس اليمنيين منقطعة عن كل شي إلا من رحمة المولى جل في علاه.
ولأننا في بلد تحطمت فيه القدرة على الإبحار صوب مرافئ الأمان، كان من الطبيعي إلا نسمع غير إيقاعات الانكسار وتوالي الإخفاقات " سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا وحياتيا " وحتى أخلاقيا كنتاج طبيعي لمعظم الأعمال المشحونة "بالغباء" التي مارسها ولا يزال يمارسها عدد ممن يرون أنفسهم أوصياء على هذا الوطن من الساسة والقادة أو الزعامات الفارغة من كل شئ ،إلا من القتل والتخوين والتدمير حيث دفعوا الوطن سابقا ولا يزالوا يدفعونه اليوم دفعا نحو الهاوية مالم يكن للحكمة التي وصمنا بها سيد الخلق وخاتم النبيين عليه أفضل الصلاة والتسليم "مكانا" وحضورا في عقول وقلوب ممن نرجو منهم تغليب مصلحة الوطن والمواطن على ماعداها من أمور دنيوية ومكاسب خاصة .
إذا هكذا هي الرياضة في بلادنا غدت " أختا" للسياسة في الفشل والإخفاق وبينهما أمور مشتبهات وخيط رفيع لا يمكن نزعه أو المساس به فهما متلازمتان في الطريق ومشتركتان في الهدف بحيث لا تدعان للإنسان اليمني مساحة للفرح أو مكانا للسعادة ، فالأولى وعلى الرغم من ممارستنا لها منذ أكثر من مائة عام إلا أننا لا زلنا نحبو فيها، وغير قادرين على الوقوف بقدمين ثابتتين في ميادينها المختلفة ، وفي الأخرى يبدو الأمر مشابها حيث مر أكثر من نصف قرن من الزمان منذ قيام الثورة اليمنية ولا يزال الأفق السياسي مخنوقا بالكثير من الإشكالات في ظل حالة الارتباك التي تشهدها البلد وغياب الخيارات والرؤية الواضحة التي تجنب البلد الانزلاق الكامل في شر الاغتيالات والحروب الأهلية.
اللهم أحفظ يمننا من كل مكروه وشر ، اللهم آمين.