الميسري .. نجم آخر يتهاوى!!

Monday 30 November -1 12:00 am
----------

في سنتنا الكبيسة تتساقط الكفاءات الجنوبية في جميع المجالات كما تتساقط أوراق الاشجار في فصل الخريف ، حتى ان قاماتنا التي تتهاوى جذوع اشجار لا اوراق ولا أغصان ، بدليل ان من فقدناهم فرسان في ميادينهم يصعب تعويضهم في ظل انقراض واضح لمواهبنا وكفاءاتنا ،ما كدنا نتجاوز صدمة رحيل قيادات عسكرية جنوبية روت بدمائها تراب عدن الحبيبة وهي تحثنا على سرعة التجاوب مع مدلول ومعنى أغنية (بوس التراب ) لصاحبها المبدع محمد محسن عطروش حتى كان الموت يغيب عن ساحتنا الفنية الفنان العملاق (محمد علي ميسري ) البدوي المعجون ببساطة ناس (مودية )، ظل فنان الشعب الذي غنى لثورة أكتوبر متدثرا بجبال عدن وهي تردد صدى رائعته ( غني يا عدن الثورة) يتلوى على فراش مرضه وقد احاله الفشل الكلوي الى بقايا انسان ، فارقه الرفاق غيلة وقد كان صوته البدوي المحبب وقودا لهدير المصانع والمعامل في الجنوب ، تخلى عنه في محنته قيادات سياسية كانت تتمنى في زمان وصل الجنوب ان تتصور الى جواره ، رحل الفارس البدوي في ليل تقاعسنا ولم تجد أسرته في ( مودية) مواساة من قيادات سياسية تلعب بالفلوس لعب ، تكسرت مزهرية فنان الجنوب وفي لحظة الوداع مات في هدوء بين احضان (عدن) التي روى ترابها من لعابه ماء زلالا في اغانيه دواء لجسد عدن المثخن بالجراح، مات ( الميسري ) وهو يستنشق هواء الحرية منشدا الفجر الجديد روائع ماضيه الغنائية من وزن ثوري يلامس واقع اليوم .

 كان التعامل مع وفاة الفنان (محمد علي ميسري) مؤلما لعشاقه في الداخل والخارج ، فالفنان الذي شغل الناس وملأ الدنيا طربا أصيلا كانت نهايته خبرا عاديا وخجولا في ركن قصي من مواقع ظلمته وهو في قبره ، تعاملت وسائل الاعلام المرئية والمقرؤة مع خبر الوفاة بشيء من الفتور والبلادة والافلاس الاخلاقي ، كان التعامل الاعلامي مع حدث وفاة (الميسري) مزعجا لنا ، فعندما لا يهز الخبر عرش الصحافة بمختلف أنواعها فهناك حتما خلل في منظومة التعامل مع الفن والفنانين ، بدليل ان بيان النعي جاء ركيكا فاقدا لصلاحية النشر ، وعندما لا تغني الخبر وتبحث عن خلفياته من الطبيعي أن يخرج الخبر من (فرن) المطبخ التحريري باردا فاترا فاقدا لشهية التعاطي مع بهاراته .

 ادري ان مواقعنا بعض مواقعنا الالكترونية (تتقرص) على بطنها ، وادري انها بلا خبرة احترافية في التعاطي الواقعي مع خبر وفاة شخصية فنية هامة ، لكن كان في وسع الاعزاء نكش عش الدبابير والدخول في هواجس الأيام الأخيرة في حياة (الميسري) ولو فعلوا ذلك لفازوا بكأس النباهة على بساط الجدارة والاستحقاق .

 عن نفسي ستظل روائع (الميسري) تطرق مسمعي بداية من (يا فلاحة) ومرورا برائعته (موسم الصيف) ولن تنتهي السلسلة عند حد التمعن في روائع من وزن (قلبي فارقه مضنونه ) و (كيفكم يا حبايب) ، تماما مثلما أننا سنبقى في حضرة بلاطه الفني نبحث عن (عم منصور يا مروح البلد )، وكلما سامرنا القمر في ليالي الوصال سنردد برقة ولوعة وجوى : اسمك كتبته فوق جدران قلبي يا حلو يا اسمر يا سكر زيادة ، واسمك نقشته يا هلي وسط كبدي يا زين حبك مثل نفسي وزيادة .

 رحم الله فناننا الراحل (محمد علي ميسري) فنان أرض الجنوب الطيبة واسكنه فسيح جناته وألهمنا وأهله ومحبيه الصبر والسلوان ، ولا حول ولا قوة الا بالله .