ليس غريبا أن يضبط الجمهور اليمني عن بكرة أبيه وأمه متلبسا بعشق نادي النصر السعودي، فما بين اليمنيين والنصر من غرام وانتماء يفوق بكثير ما كان بين روميو وجولييت ..
وإذا كان (العالمي) نتاجا طبيعيا لحالة توأمة مع اليمنيين، فإن هذه التوأمة التي ولدت على يدي الأمير الراحل (عبدالرحمن بن سعود) مؤسس نادي النصر، بقيت أكسير حياة وبلازما تعصب رغم ما تسببه من أضرار للدورة الدموية السابحة تحت الجلد ..
نسج النصر شمسه العالمية التي تشرق يوميا على الرقعة البرية والبحرية والمياه الجوفية من خيوط الضحى، فصار بالنسبة لليمنيين الذين شيدوا للشمس مركبا وطنا يحتويهم أحياء ويضم رفاتهم أمواتا ..
حسنا فعل النصر عندما فاز على غريمه التقليدي وجاره اللدود الهلال في مباراة دراماتيكية انتصرت لمبادئ الأمير عبدالرحمن بن سعود في قبره، لكن هذا الانتصار تسبب في فرحة هستيرية لشعب يمني يسير في ضحى شمس النصر، ولا يرى من ألوان الطيف إلا الأصفر البراق، فارس نجد الذي لا يتورع عن مصالحة جماهيره كلما عصفت به سحابة صيف عابرة ..
لا يعتدل مزاج اليمنيين كرويا إلا والعالمي في مقدمة السرب وشمسه الذهبية تغشي أبصار المنافسين والخصوم، وعندما ينتزع النصر الصدارة من غريمه الهلال ولو ليوم واحد تعود أسطورة عبدالرحمن بن سعود إلى الصورة ..
يرفع عشاق النصر شعار (نصراوي إلى الأبد)، وهو شعار يجسد حقيقة أن النصر يعيش داخل قلوب جماهيره الغفيرة، ويلخص حالة الغرام التي تتخطى مرحلة الصبابة والجوى والهيام حين تتحول إلى مرض عضال من الهوس اللا متناهي ..
عندما علق الأمير عبدالرحمن بن سعود وصيته الأخيرة في رقبة خلفه، كان في الواقع يكتب قانونا نصراويا صارما ينص على ضرورة أن يستمد النصر شمسه الساطعة من جباة وحناجر الجماهير اليمنية التي عاشت رحلة المخاض، ثم تحولت إلى وهج أصفر براق يسر الناظرين ..
يسكن النصر السعودي حنايا الجماهير اليمنية، يعيش ويتغذى على حناجر جماهيره الوفية، يشرب من نبع دموعهم زلالا صافيا نقيا أشهى من الغيل، إذا اشتكى النصر من وعكة طارئة تداعت له سائر أعضاء الجماهير اليمنية بالسهر والحمى ..
عندما ظل النصر طوال تاريخه الطويل ينعت بأنه نادي (اليمناء) نسبة لجماهيره اليمنية، كان الأمير الراحل عبدالرحمن بن سعود يتفنن في كتابة الشعر الغزلي الذي لازال يدغدغ مشاعر الجماهير اليمنية والسعودية على حد سواء ..
وعندما يقول الرمح النصراوي الملتهب (ماجد عبدالله) : إن الذي صنع نجوميته مع النصر هم الجماهير بمختلف أطيافها، فهو بذلك يقدم شهادة للتاريخ ترفع رأس كل مشجع نصراوي، وتنصف عظمة جمهور يمني يسير في أثر النصر غالبا أو مغلوبا ..
الفوز على الهلال هذه المرة له نكهة خاصة ومذاق خاص، ليس لأنه وضع حدا فاصلا للتفوق الهلالي في آخر ست مواجهات فقط، ولكن لأن النصر كرس حقيقة أنه أفضل نسخة سعودية تستحق التتويج بأغلى وأفضل دوري عربيا وقاريا، فقط عليه أن يحذر من مفخخات وألغام الجولات الخمس الأخيرة حتى يضحك ضحكته الأخيرة وسط أفراح جماهيره ..
من الصعوبة بمكان وصف الكيمياء التي تربط الجماهير اليمنية بنادي النصر السعودي، فما بين الطرفين عشرة عمر تجاوزت يوبيلها الذهبي، لكن ذلك الحبل السري الذي يتغذى منه النصر يظل مرتبطا بروح الأمير الراحل عبدالرحمن بن سعود ..
وعندما كان الأمير الراحل صانع تاريخ النصر يقول عبارته الأشهر من نار على علم : النصر بمن حضر، كان في الواقع يقصد أن النصر سيبقى شمسا لا تنطفئ طالما كان الجمهور هو وقودها وأشعتها والسماء التي يسبح فيها ..
ينام الآن الأمير الراحل عبدالرحمن بن سعود في قبره قرير العين، و قد تحولت عبارته الشهيرة (نصراوي لا تكلمني) إلى شعار خالد يتردد على لسان العرب العاربة والعرب المستعربة، وهو شعار أشبه بنشيد دولة فرائحية عادلة بناها الأمير الراحل عبدالرحمن بن سعود على حناجر الجماهير السعودية واليمنية على حد سواء ..!