عرفت الامة العربية خلال العقود الماضية بحكامها وقياداتها أنهم أمة موحدة ومؤمنة في عقيدتها وتوجهها في كل القضايا
والمواقف وخاصة السياسية, ممثله بقضية الشعب الفلسطيني وعاصمة القدس الشريف, وكان لوقوفها واجماعها جعل لها صوت مسموع ووزن سياسي واقتصادي مؤثر في المجتمع الإقليمي والدولي,
إلا أن المواطن العربي يتابع باندهاش واستغراب لحالة الانزلاق والتسابق المتسارع لحكومات ومؤسسات عربية, باتجاه تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي, التي أصبحت في الفترة الأخيرة واضحة المعالم وفي العلن, ولا تتوارى خلف الجدران كما عرف عنها سابقا,
وتاتي الهرولة منذ عام مضى واكثر عندما تم الترويج الاعلامي لخطة السلام للرئيس الامريكي ترامب المسماة بصفقة القرن, التي أعلن عنها مؤخرا, كذروة واستكمال للمشروع الشرق الاوسطي الجديد, الذي تنادي وتدعمه بقوة الولايات المتحدة الامريكية, وبملامحه الجغرافي والسياسي والاقتصادي, وتسخر جل نفوذها السياسي وقوتها الاقتصادية لتنفيذه على أرض الواقع, وتبشيرها بأنه بنشر أحلام السلام والرخاء والنماء بالمنطقة حين يتم تطبيقه والقبول بتفاصيله,
هذا المشروع الأمريكي, فكرته ما هو إلا عرض "إسرائيلي" مقدم سابقاً حسب ما تقوله دوائر في السلطة الفلسطينية الرافضة له جملةً وتفصيلا حينها والى الأن, ومحتواه وهدفه الأساسي اخراج الكيان الصهيوني من عنق الزجاجة والحصار والعزلة المفروضة عليه منذ نشوء وإعلان دولته, ما جعل مؤخرا تلك الاطراف العربية تتماشى وتتماهى في تسريع وضخ الدماء والأوكسجين لشرايين جسد العلاقة العربية الإسرائيلية المشوهة والميته من الولادة أصلا,
طلب الود والرضاء هذا والتقرب العربي المكشوف من الكيان الإسرائيلي وكأنه المنجد والمنقذ لهم, ومن أزماتهم
ومشكلاتهم المزمنة, يعكس حالة الضعف والتباين والانقسام في الموقف العربي الحاصل, وتجاهل تلك الحكومات والأطراف والقفز على ثوابت الامة العربية, بأن القضية الفلسطينية قضية شعب ومقدسات لا يمكن تجاوزها أو طمسها بين ليلة وضحاها, من خلال الضغوط والحصار على السلطة والفصائل الفلسطينية للقبول والتفاعل الإيجابي معها,
أن تنامي التيار المعاصر للتطبيع وحالة الارتهان والتهاون في الموقف العربي كحال المؤمن بالنهار والكافر في الليل,
كل ذلك يضعف القضية والموقف الفلسطيني, ويؤثر سلبا على مواقف دعاة السلام والداعمين لها في حكومات ودول شتى في العالم, بما فيها الاوروبية التي علا صوتها انتقادا لإسرائيل لطريقة ضم أجزاء من الصفة الغربية, وترفض صفقة القرن بالطريقة والإخراج الأمريكي, وتطالب بحل الدولتين والتعايش السلمي بين الشعبين وفق القرارات الدولية التي تنص على حق الشعب الفلسطيني في اقامت دولته على أراضي ما قبل حرب حزيران 1967م
يقول شاعرنا المتوفي أحمد مطر واصفاً حال الأمة العربية,
أُسرَتُنا فريدةُ القِيَمْ
وُجودُها : عَدَمْ
جُحورُها : قِمَمْ
لاءاتُها : نَعَمْ
والكلُّ فيها سادةُ
لكنَّهم خَدَمْ !
*
أُسْرَتُنا مُؤمِنَةً
تُطيلُ من رُكوعِها
تُطِيلُ من سُجودِها
وتَطلُبُ النَّصرَ على عدوَّها
من هيئِة الأُمَمْ
*
أُسْرتُنا واحدةُ
تجمعُها أصالةُ ولَهْجَةُ – ودَمْ
وبيتُنا عشرونَ غُرفةً بِهِ
لكنَّ كلَّ غُرْفَةٍ من فوقِها عَلَمْ
يقولُ :
إنْ دَخَلْتَ في غرفَتِنا
فأنتَ مُتَّهَمْ !
*
أسرتُنا كبيرةُ
وليسَ من عافَيِةٍ
- - أنْ يكُبرَ الوَرَمْ !
-
فعلاً وصول الورم في الجسد العربي بحكامه واعلامه ومنظريه, لهذه الحالة من الاختلاف والتفرق والتهاون والخذلان, في المواقف والقضايا المصيرية, لدرجة يصعب علاجه وشفاءه في الوقت القريب. ويمكن يكون مؤثراً ومميتاً للقضية الفلسطينية مستقبلا.