القناعات المسبقة دائمًا تنتج أحكاما غير منطقية، قد تتسبب في إلحاق ضرر بالآخر ماديًا أو معنويًا، وفي أسوأ الأحوال تُفسد على صاحبها متعة معينة.
تلك القناعات المسبقة لا تكون من واقع تجربة معاشة، لكنها نتيجة حتمية لمعلومات مغلوطة أو ناقصة، تم توظيفها خدمة لأهداف غير شريفة.
قبل مجيئنا إلى مدينة البصرة (الفيحاء) للمشاركة في مونديال الخليج في نسخته الـ 25، كنا محملين بكثير من القناعات التي كرسها الإعلام بوسائله المختلفة في المخيلة الشخصية وربما الجمعية. لعل أبرزها الحالة الأمنية والانقسامات السياسية التي ألقت بظلالها على النسيج الاجتماعي وضربت التعايش المجتمعي في مقتل.
منذ لحظة صعودنا على متن طيران العراقية رحلة رقم (IA148) القادمة من قاهرة المعز، بدأت كثير من تلك القناعات ومعها المخاوف تتلاشى رويدًا على وقع الحفاوة التي وجدها السادة رُكّاب الرحلة من طاقم الطائرة، وما أن دلفنا بوابة مطار البصرة حتى بدأت الرؤية تتضح أكثر وأنقشعت سحائب الترويج الإعلامي (المموّل)، ذات البعد السياسي الموجّه لتصفية خصومات لا علاقة لها بالواقع فما بالكم بالمنطق وحقائقه؟
البصرة مدينة تعيش حياتها بصورة اعتيادية، وتمتاز عن غيرها بهدوئها وجمالها الساكن في كل بقعة فيها، حيث ما وليت وجهك في شوارعها ستجد الجمال يحيط بك.
هذا الجمال ليس فقط في البنية التحتية التي تنمو بشكل مضطرد، ولا في شط العرب، بل هو في قلوب أهلها، الذين يشعرونك بأنهم يعرفونك من زمان، وأنك جزء منهم، فيستقبلونك بالترحاب والحفاوة والكرم، ويصرّون على خدمتك بقلوب محبة ووجوه يعلو محياها الصدق بلا رتوش أو تزلف.
يمتاز أهل البصرة أيضا بحبهم للرياضة وبالذات كرة القدم، وقد نالت المنتخبات المشاركة شيئا من ذلك الحب وكثيرًا من الهتافات في ملعبي جذع النخلة والميناء، وفعاليات شط العرب.
لا أبالغ إذا ماقلت أن استضافة البصرة لخليجي 25 كانت ضربة معلم، استطاعت من خلالها أن تمحو تلك الصورة الضبابية التي كرسها الإعلام خلال عقود مضت.
نبارك للبصرة ومن خلالها للعراق العظيم هذا الانتصار المتعدد الأهداف والأبعاد، ونتمنى لأسود الرافدين الفوز بالكأس.
وفعلًا صدق من قال ليسَ من رأى كمن سمع.
*نقلاً عن توفه