حالة ..

Sunday 16 February 2020 11:34 am
----------
دخل من باب "المطعم" يمشي بتبختر فاردا يديه، وتبعه إثنين كانا خلفه يحملان أكياس مشتروات، هكذا بدت لي من خلال (ماركة) العلامات التجارية واسماء المحلات على (الأكياس) التي بأيديهم، أشار بيده لصاحب المطعم من بعيد، لوَّح بها، وكأنه يخبره عن إختيار مقاعد ملائمه له ومن معه، أو ربما زاوية مريحة على غير بقية الزبائن من في المكان، كنت وقتها أرمقه من بعيد وقد شدني الموقف، وأنا أقعد على إحدى مقاعد الطاولات مع صديقي الطالب، الذي قدم إلى (هنا) في متابعة لإستكمال دراسته على نفقته الخاصة، بمساعده بعض رجال الخير، بعد أن سرقت منه منحه التفوق الدراسية من قبل شخصيات نافدة في السلطة، وقد كنا قبلها منهمكين في قراءة قائمة المأكولات وأسعارها ونقارنها بسعر صرف عملتنا المحليه "البائسة"، لنرى ماهي الوجبة الأنسب والأرخص سعرا، المتوافقة مع ما نملكه من مال في جيوبنا، هذا طبعا بعد إتفاق مسبق بيننا بأن نقتسم الحساب مناصفة بالتساوي ، بحكم أننا في (غربة) وكل (فلس) محسوب علينا .. 
تحرك (نادل) الصالة على عجاله رهيبة مهرولا (إليهم) مع إبتسامة صفراء ، أشبة بتلك في إعلانات معجون الأسنان على شاشات التلفاز، وذهب به وبرفيقيه مباشرة لمقاعد محدده في ركن من الأركان، كانت قريبه من مكاننا، ثم انهال عليه بتراحيب لم يتغزل بها محبوب في حبيبته، وبصراحة ..!! لم أفهم بعدها ما كان (طلب) وجبته بالضبط، فضجة الأصوات حالت دون سماعي بوضوح، غير أني استوعبت أشارته وإيماهات رأسه، بأن تكون مثل وجبته اليومية المعتادة مع بعض الإضافات، بحكم وجود إثنين جواره، وفهمت أن هذا (الرجل) زبون رسمي ودائم معروف لديهم ..
لحظات .. جاء طلبنا ، طبق أرز ونصف دجاج مع شتني (فلفل أخضر حار و طماطم وثوم مسحوق ) وعلبة شراب غازي واحدة لصديقي ، بحكم أنني لا أشرب الغازيات ولا أفضلها، وماهي إلا لحظات وقد وصلت طلبية (الرجل) وصاحبيه ، الذي كنت أظن وبعض الظن إثم، أنه تاجر كبير، ( كباب، كفته، لحوم مشوية وأخرى محمرة، مخبوزات، سلطات، مشروبات)، وغيرها من استطعت أن اراها وما لم استطيع، كانت مائدة طويلة وعريضة فرشت بما لذ وطاب لثلاث أشخاص فقط ، واللهم لا حسد ..
يبد من مظهر (صاحبنا) الذي لفت انتباهي بهيئته، ومن جواله ذو الثلاث كاميرات على شكل مثلث، مثل تلك التي نشاهدها في الدعايات، مع خاتم فضة كبير أبو فص أحمر لامع، أنه رجل نعمة، بدلة فخمة، ربطة عنق، لمعة براقة، كرش مدور، خدود منفوخة، وضحكة (ملعلعة) نابعة من قلب هادئ مستقر ومستريح، لا يبال، وحتى من كانا بصحبته، يشعرانك من ملامحهما أنهما في محيطها وفي غمرة السعادة بجواره أيضا  ..
 أنهينا أكلنا ولله الحمد ، أخذنا بعضينا لمغسلة الأيدي ، وعند العودة ، ذكرنا أننا قد نسينا "فاتورة" الحساب على الطاولة ، ذهبت فورا لاحضرها ، قبل أن تضيع ويضيع معها مستقبل (فلوسنا)، لتصادف خطوات مشيي، مرورا جوار طاولة من قد اشغل بالنا ، وهو يضع مبلغا كبيرا في مظروف الحساب، دون مبالاة، وكأنه لم يلحظ عدد الورقات ولا مجموعها، ولا حتى نظر لقيمة الفاتورة ، واعطى مبلغا آخرا لا يقل عن سابقه في جيب (النادل) الذي قد شاهدت ضروس العقل لديه، وقد بدأ مسرورا جدا، وهو يساعد في إبعاد وسحب الكراسي ويساعدهم في النهوض، مع العلم أن مائدة الأكل كانت مثلما هي تقريبا، مكتنزة بالاطباق والأطعمة المكدسة، لم تتغير ملامح ترتيبها ولم تنقص، وقد المحت لمن معي بعيني أن يشاهد العبث والإسراف، وقلت له مازحا : "هذه الوجبات لو وضعت في محلها لاشبعت حي بأكمله، يالله، هما حيروحوا من ربنا فين" ، رد صديقي: دعهم في حالهم واتعوذ من الشيطان ..
خرجنا من المطعم ، ومن الصدف الأخرى، أننا التقينا بصديق لنا عند المدخل لم نشاهده منذ مدة، تلقفنا بالاحضان والقبلات ووقفنا على البوابة نتجاذب حديثنا، في اللحظة الذي كان فيها الرجل والاثنين يهموا بالمرور، ويحاولوا تخطينا، وإذ بصديقنا يسارع بالسلام عليهم، والقاء التحية الحارة، ومن ثم تجنبنا وابتعدنا، قلت له بتعجب واستغراب ونحن نراهم يصعدون سيارتهم الفارهة: "أتعرفه؟! من هذا الذي سلمت عليه؟! من يكون؟! ومن هما الذين معه؟!" ، رد لي بإستغراب: "أنت أين عائش؟! بالله عليك ما تعرفه؟!"، رددت له بعد أن أصابتني موجه ذهول: "لا يا أخي ما اعرفه ولا ادري عنه"، رد عليّ :" هذا القيادي الفلاني، زمان كان يشتغل في كذا، ومؤخرا مع(الحرب)أصبح قيادي ويعمل في كذا وكذا وكذا، وهو يعيش هنا منذ سنوات، والاثنين الباقيين، واحد إبن المسؤول الفلاني، يحضر الماجستير في الجامعة الفلانية الشهيرة، ويادوب تزوج بالثانية قبل أسابيع، والآخر موظف معهما، وتربطهم علاقة أسرية، وهما مستقرين هنا برضة "، قاطعته على الفور :"هااا ، خلاص فهمت، فهمت ، بس خلاص ..